(مصطفى) من بلدة سرغايا بريف دمشق لم يتوقع أبداً ان تقوده حفنة من الحشيش المخدر إلى فرع 227 المعروف باسم فرع المنطقة والشهير بقسوته وتفننه في تعذيب الموقوفين لديه سواء تم توقيفهم بتهم جنائية عادية أم تهم سياسية، وبعد مرور حوالي ثلاثة أسابيع استدعي “مصطفى” إلى غرفة التحقيق الذي كان مطمئناً لكون تهمته مجرد حيازة بضعة غرامات من الحشيش المخدر، إلا أنه فوجئ بالمحقق وهو يسأله عن شيء أخر غير” حيازة المخدرات”, إذ لم يخطر على باله أبداً أن يتم سؤاله عن حمل السلاح والعمل مع المسلحين.
طرحَ عليه المحقق مجموعة من الأسئلة، دون أن يترك له مجالاً للجواب، سأله عن المجموعة المسلحة التي كان يعمل معها؟ وفي أية منطقة.. وما نوع السلاح الذي كان يستعمله، وكم مرة هاجم فيها مع مجموعته حواجز الجيش المتواجدة في بلدة سرغايا ومحيطها؟ وكم عدد المسلحين الذين عمل معهم ؟ وختم المحقق أسئلته بالتشديد على (مصطفى) أن يجيب على كل تلك الأسئلة بكل وضوح دون لف أو دوران وأن يزوده بأسماء المسلحين، وإلا سيرسله إلى المكان المخصص للتعذيب .
ذُهل (مصطفى) لهذا العدد الكبير من الأسئلة التي لم يكن يتوقعها، بل كان ذهنه منصرفاً باتجاه إثبات أنه تم توقيفه بجرم حيازة الحشيش المخدر لأجل التعاطي وليس للتجارة, لأن عقوبة الاتجار بالمخدرات توصل صاحبها إلى حبل المشنقة، ولهذا كان مطمئناً لكون الكمية التي ضبطت بحوزته لا تتجاوز عدة غرامات وعقوبتها لا تتجاوز السنة، هكذا كان يعتقد مصطفى.
استجمع (مصطفى) نفسه بعد هذا الوابل من الأسئلة المفاجئة له، وردّ على المحقق بهدوء قائلاً:
” عفواً يا سيدي, أنا لم أكن مسلحاً، ولم أحمل السلاح إلا أثناء خدمتي في الجيش العربي السوري، كما لم أتعامل مع المجموعات المسلحة التي انتشرت في المنطقة، ولا أعرف أحداً منهم”. وأضاف قائلاً: “أنا يا سيدي لم يتم توقيفي لأنني مسلح ولا لأنني أتعامل مع المسلحين ، بل تم توقيفي لأن الدورية عثرت في سيارتي على عدة غرامات من الحشيش المخدر، وقد شرحتُ لهم أنها للاستخدام الشخصي، فقالوا لي هذا الكلام تقوله أمام القضاء وليس أمامنا”.
إلا أن المحقق لم يقتنع بجواب (مصطفى) وبعد أن تظاهر بأنه يعيد قراءة الملف الذي بين يديه، توجه بكلام قاس إلى (مصطفى) أكد فيه أن المعلومات الموجودة في الملف تؤكد تعامل مصطفى مع المسلحين وحمله للسلاح أيضاً، ولا يوجد في الملف أية إشارة لضبط أية مخدرات معه. ومع ذلك أصرّ (مصطفى) على كلامه، وهنا أوعز المحقق إلى أحد عناصر الحراسة المتواجدين في الغرفة بأخذه إلى المكان الذي المخصص لانتزاع الاعترافات، حيت يتم تعريضه للتعذيب حتى يعترف سواء ارتكب الفعل أم لا. المهم لدى المحققين في الأمن هو أخذ بصمة وتوقيع الموقوف على اعترافاته بصرف النظر عن صحتها لتكون دليلاً على ارتكابه الفعل تمهيداً لإحالته إلى محكمة الارهاب التي يأخذ قضاتها غالباً بالاعترافات المدرجة في الضبوط الأمنية، وهو الأمر الذي شهدته ولمسته بنفسي خلال الخمس سنوات التي تعاملت فيها مع محكمة الإرهاب.
وبعد “حفلة” تعذيب لعدة أيام اُستدعي (مصطفى) إلى غرفة التحقيق مجدداً وقد نال التعذيب منه، حيث بدا شاحب اللون ونحيل الجسم لا يقوى على المشي، ولدى إدخاله مقيداً ومطمّش العينين إلى غرفة التحقيق بادره المحقق قائلاً: “يعني لو أنك اعترفت منذ البداية أما كان حالك أفضل من الآن.؟ وأضاف المحقق بتوجيه سؤال إلى (مصطفى): ” إي هات لشوف خبرني بالتفصيل عن السلاح والمسلحين” كرر (مصطفى) أقواله الأولية نافياً بشدة أية علاقة له بالسلاح والمسلحين، ومؤكداً أنه يتعاطى المخدرات ولا شيء غير ذلك.. وعندما هدده المحقق بإعادته إلى التعذيب مجدداً، أصرّ (مصطفى) على أقواله بقوله للمحقق: ” لو سلختم جلدي لن تجدوا سوى الحشيش المخدر..”.
ومع كل حفلة تعذيب كان يصرُّ (مصطفى) على أقواله بأنه لا يتعاطى إلا المخدرات، وفي آخر مرة استدعاه المحقق للتحقيق معه، تفاجأ (مصطفى) بطلب المحقق من الحارس بفك قيده ونزع الطمّاشة عن عيونه. وهنا شعر مصطفى بتحسن المعاملة معه, لا بل فوجئ أكثر عندما سأله المحقق ” هل تحتاج شيئاً ( سيكارة, حشيشة…)”, أجاب (مصطفى) ” يا سيدي لا أريد شيئاً سوى الخروج من هنا، وهنا قال له المحقق: ” ستخرج, ولكن يجب عليك أولاً الاعتراف بحمل السلاح ضد الدولة والتعامل مع المسلحين “، إلا أن (مصطفى) أصرّ على نفي فعله لذلك.. وهنا نهض المحقق من خلف مكتبه متجهاً إلى حيث يجلس (مصطفى) قائلاً له: ” حظك قوي, لقد أكدت كل التحقيقات التي أجريناها أنك لم تتعامل مع المسلحين وأن جرمك الوحيد هو حيازة المخدرات، ولكني أريد منك أن تعدني بأن تكون عيناً لنا على من يتعامل من المسلحين في بلدتك، وغداً ستتم إحالتك إلى القضاء بجرم حيازة الحشيش المخدر، وأنت دبر راسك هناك”.
انفرجت أسارير (مصطفى) وانشرح صدره بعد أن انزاحت عنه تهمة حمل السلاح والتعامل مع المسلحين، وأكد للمحقق بعد أن شكره قائلاً: ” يا سيدي حيازة، تجارة مو مهم، المهم ما في سلاح ولا تعامل مع المسلحين”. وفي اليوم التالي أحيل إلى سجن عدرا، ليبدأ معاناة جديدة، حيث صودف أن التقى بأحد المحامين الموقوفين بسجن عدرا بقضية رأي، فسأله المحامي عن قضيته وعندما روى له ما حدث معه، قال له المحامي: ” الله لا يعطيك عافية، تجارة الحشيش عقوبتها الإعدام”. فرد (مصطفى): ” مو مشكلة يا أستاذ، المهم أطلع من هون وبدبر حالي بالمحكمة”. وعندما استفسر (مصطفى) عن تهمة المحامي أجابه المحامي: ” أنا تهمتي كتابة أراء معارضة للنظام.. يعني قضية رأي”, فضحك (مصطفى) معقباً :” يا أستاذ والله تهمتك أصعب من تهمتي، وبكرا شوف رح أطلع قبلك…”.
لم يتثن للمحامي متابعة قضية (مصطفى) بسبب نقله إلى جناح المخدرات في سجن عدرا. بينما أفرج عن المحامي بعد حوالي شهر من إحالته إلى محكمة الارهاب.
Social Links: