بالتزامن مع دخول رتل عسكري تركي جديد من منطقة كفرلوسين شمالي ادلب، تضمن أكثر من ثلاثين سيارة بينها شاحنات، جاء الإعلان الرسمي عن تشكيل ما سمي بـ (حكومة الإنقاذ) برئاسة الدكتور محمد الشيخ، في منطقة باب الهوى القريب من الحدود التركية، وهو نفس المكان الذي سبق واستضاف (المؤتمر السوري العام)، ذاك المؤتمر الذي أتى كنتيجة طبيعية لمبادرة الأكاديميين السوريين التي أُعلنت منذ أشهر في ادلب، بدافع منع أية حروب جديدة في محافظة ادلب، ومن ثم الوصول إلى الهيئة التأسيسية، إلى أن تم أمس الإعلان عن هذه الحكومة، التي ضمت أحد عشر وزيرًا يترأسون وزارة متنوعة، بدءً من الداخلية، وانتهاء بالإدارة المحلية، ونائب لرئيس الحكومة هو العقيد رياض الأسعد، حيث لوحظ اعتماد التشكيلة على أساتذة جامعيين في معظمهم، إضافة إلى خبرات علمية معروفة، وبعض الوزراء ممن سبق وشغلوا وظائف رفيعة في الحكومة المؤقتة، إلى وقت ليس ببعيد. كما لوحظ أن الوزراء لا يتحدرون جميعهم من محافظة ادلب وريفها، بل شملت الوزارة بالإضافة إلى الذين هم بالأصل من محافظة ادلب، وزراء من دمشق، وآخر من حماة، واثنان من حلب، بالإضافة إلى الدكتور محمد الشيخ رئيس الحكومة، من مواليد سلمى في ريف اللاذقية.
الدكتور الشيخ أكد أنه ” لا توجد أية علاقة بين حكومة الإنقاذ والحكومة السورية المؤقتة” معتبرًا أن “حكومة الإنقاذ هي من تمثل الشعب والداخل والقرار السوري” داعيًا جميع ” الجهات في الخارج للعمل تحت ظل المؤتمر السوري العام والحكومة المشكلة) مذكرًا بأن حكومة الإنقاذ ” ستكون على مسافة واحدة من جميع الفصائل العسكرية السورية، وهذا ما تم الاتفاق عليه منذ بداية طرح فكرة الحكومة ” كما قال.
الشيخ أكد ” وجود علاقة مع الحكومة التركية ” وأن لديه الثقة ” في استمرار الأتراك بدعم الشعب السوري”.
وتجدر الإشارة إلى أن التواجد التركي في محافظة ادلب الآن، وذاك الدخول التركي الآمن للعديد من المناطق في ادلب، ما كان له أن يتم لولا توافق وحوار متواصل بين الأتراك والفاعليات العسكرية والسياسية والمدنية، ومن ثم فإن هناك تساؤلات اليوم مازالت رهن الأيام القادمة مفادها: هل تَمكَّن المؤتمر السوري العام ومن يقوده أو يوجهه من عقد اتفاق مع الحكومة التركية، من أجل دخول آمن وسيطرة على بعض المواقع، ضمن تنفيذ ميداني لاتفاقية خفض التصعيد المنبثقة عن مؤتمر أستانا السادس؟
وهل يمكن أن توافق الدولة التركية على حكومة إنقاذ في محافظة ادلب، قد تشمل بعض ريف حلب، مع بقاء دور آخر للحكومة المؤقتة في مناطق أخرى شمال حلب، أو في منطقة درع الفرات؟ وهل يمكن أن تسمح الظروف الصعبة للسوريين بأكثر من تشكيل حكومي خدمي مؤقت واحد؟ وما هو مصير حكومة الدكتور جواد أبو حطب التي تتبع بالضرورة للائتلاف الوطني؟ كل هذه الأسئلة وسواها تصعد للمخيال، وتطلب الإجابة عنها بكل تأكيد، والأيام القادمة حُبلى بمثل هذه الإجابات، وإن كان لنا أن نحاول ملامسة المعطى السياسي والموضوعي لهذه المآلات المتلاحقة، التي أنتجت حكومة الإنقاذ، فإنه لابد من القول أن الدولة التركية أرادت من خلال قبولها الضمني التوافقي مع هيئة تحرير الشام، ومن ثم المؤتمر السوري العام، واليوم حكومة الإنقاذ، أرادت أن تحافظ على وجودها الآمن، ودون المزيد من إراقة الدماء للشعب السوري، ولكبح جماح هيئة تحرير الشام، والعديد من الفصائل العسكرية السورية في المناطق المحررة التي من الممكن أن تشتعل المعارك فيما بينها.
وهنا لابد من القول إن هناك الكثير من العقلاء في ادلب أرادوها سلمًا، وليس حربًا، ويبدو أنه كانت النتيجة التي لابد منها، وهي القبول بحكومة إنقاذ محلية، متعددة المشارب، والمناهل، يقودها الأكاديميون والخبراء، دون السماح لأطراف في المعارضة السورية، أن تسيطر على بعض منها، وهو حل قد يكون في هذه الفترة مقبولًا، إذا ما استمر الأتراك في عملية استيعابه وتفهمه، ولجم أية محاولات عسكرية، أو سياسية للانقضاض عليه.
حكومة الإنقاذ اليوم أضحت أمرًا واقعًا، والحكومة المؤقتة موجودة في تركيا، وفي بعض المناطق المحررة الأخرى، والتعامل السياسي قد يكون إقليميًا مع الاثنتين، والأتراك يدركون صعوبة هذه المسألة، ومتاهاتها التي لا تحمد عقباها، لكن الأمر الأهم يبقى ما هو مُلقى على عاتق من شكَّلها، من أن الحكومة هذه، لا يجب أن تؤسس أو تهيئ لانقسامات محلية أو وطنية ضيقة، وبالتالي أن لا تكون بداية لحكومات أخرى في مناطق أخرى من سورية، وخاصة من دخل منها في اتفاقات خفض التصعيد، وهو أمر لاشك أنه جد خطير، وقد يؤسس إلى مآلات لا تندرج في سياقات الثورة السورية، ثورة الحرية والكرامة، بينما كان المطلوب العمل سويًا، ومع كل الفصائل العسكرية والقوى السياسية المدنية، من أجل التصدي لهذا التشظي الكبير في الواقع السياسي والعسكري الميداني، في معظم المناطق السورية.
الوضع السوري اليوم ومع النتائج الباهتة لمؤتمر أستانا 7، وأمام توجه روسي لتفتيت المعارضة، وجرها عبر ضغوط دولية وإقليمية إلى مؤتمر (الشعوب) في حميميم ثم روسيا، وسط هذا الوضع لابد من التلاقي والعمل وفق العقلانية السياسية، وهي ملاذ السوريين إذا أرادوا مستقبلًا لوطنهم أكثر تفاؤلًا.
Social Links: