المعنى والمبنى في مسرح سعد الله ونوس
– أحمد أبو خليل بن محمد آغا بن حسين آغا آقبيق، الملقب بالقباني، لأن أجداده كانوا يـملكون قبّانًا في باب الجابية. ولد في دمشق عام 1833 م. وتوفي سنة 1903م. ويعتبر الرائد الفعلي لفن المسرح في بلاد الشام وأول من أسس فرقة مسرحية في القرن التاسع عشر في دمشق (من 1879 إلى 1880)، وهو أول من وضع الأسس الأولى للمسرح العربي والدرامي الغنائي.
– سعد الله ونوس: 1941-1997. ولد في قرية حصين البحر بطرطوس. حصل على منحة لدراسة الصحافة بجامعة القاهرة عام 1959. عمل محرراً للصفحات الثقافية في السفير اللبنانية والثورة السورية. كما عمل مديراً للهيئة العامة للمسرح والموسيقى في سوريا. وفي عام 1966 حصل على منحة دراسية من وزارة الثقافة وسافر إلى باريس ليدرس المسرح الأوروبي. ألف العديد من المسرحيات والكتب النظرية في المسرح والثقافة. كلف بتنظيم مهرجان دمشق المسرحي الأول 1969، كما شارك مع فواز الساجر في تأسيس المعهد العالي للفنون المسرحية والمسرح التجريبي.
إذا كان القباني هو الرائد الأول للمسرح السوري والعربي بعامة؛ فسعد الله ونوس هو الرائد الأول للمسرح السوري الحديث الذي عاش عصره الذهبي في ستينات وسبعينات القرن المنصرم، ثم بدأ يتلاشى مع التأميم الشامل للحياة الثقافية والسياسية في سورية الأسد. ففي منتصف الستينات برز هذا الكاتب المسرحي الشاب، وسرعان ما تحول إلى قامة وقيمة فنية وثقافية حديثة، تركت بصمة كبيرة ومؤثرة، في المشهد الثقافي والفكري، المحلي والعربي.
مرّ مسرح ونوس بمراحل عدة؛ بدءًا من دراسته للصحافة في القاهرة، 1959، (أيام الوحدة) وسفره -بعد ذلك- إلى فرنسا لدراسة المسرح الأوروبي 1966، مرورًا بالانقلاب الكبير الذي حدث في حياته وأدبه، بعد هزيمة 1967، والذي تجسد في مسرحيته “حفلة سمر من اجل الخامس من حزيران”. هذه المسرحية الغاضبة الصاخبة المتمردة المتحدية للهزيمة، الناقدة للحكام والمحكومين، والتي وضعتنا أمام مشروع مسرحي جديد، ناضج ومختلف، ويحتوي على عناصر مسرحية غير مسبوقة، في الشكل وفي المضمون: (هدم الجدار الرابع، وجود الممثلين في الصالة، مشاركة الجمهور في العرض…الخ)، ويشي بتوجهات فكرية وجمالية، تكللت عام 1970 بإصداره “بيانات لمسرح عربي جديد” والدعوة إلى ما سمي بمسرح التسييس. وقد منعت مسرحية حفلة سمر من العرض سنة 1969، لكن النظام الجديد، عاد وسمح بعرضها 1971 بعد قيام الحركة التصحيحية.
الحديث عن مسرح ونوس قد يطول، وهو موضوع متشعب وحساس ولا نستطيع الآن أن نتناول جوانبه كلها، لكن لا بد -من وجهة نظر نقدية- تتناول جوهر هذه التجربة، بعيدًا عن المديح والتقديس والإعجاب المفرط أحيانًا، باعتبار ونوس صار رمزًا من رموز المسرح السوري والعربي، ما قد يسيء لشخصه وإبداعه الغني، المنفتح –أصلًا- على الحوار والنقد. فلو تأملنا في مسرحياته الأولى “فترة الستينات” التي صدرت في كتاب (حكايا جوقة التماثيل) أول مجموعة من المسرحيات القصيرة صدرت عام 1965عن وزارة الثقافة ضمت ست مسرحيات: فصد الدم، لعبة الدبابيس، جثة على الرصيف، الجراد، المقهى الزجاجية، الرسول المجهول في مأتم انتيجونا.. وهي مسرحيات قصيرة سريعة، ذات مشهد واحد، تشبه إلى حد كبير التمارين المسرحية، لوجدنا أنها تنتمي –حسب ظني- إلى المسرح التعبيري أو الوجودي الرمزي، المتأثر بالمسرح الفرنسي -حيث كان يدرس حينها-، مثل مسرحية: جثة على الرصيف، والمقهى الزجاجي، وبائع الدبس الفقير، والجراد ولعبة الدبابيس، وميدوزا، وغيرها…
بعد هذه المسرحيات التي شكلت ظاهرة حديثة في تاريخ المسرح والأدب المسرحي السوري -ومثله مثل بقية الكتاب العرب- بدأ ونوس يبحث جاهدًا، عن موضوع وشكل “فرجة” مناسبين لبيئتنا وثقافتنا وواقعنا، بعيدًا عن العلبة الإيطالية. كان يبحث عن هوية مسرحية -وهذا من حقه طبعًا- لكننا نجده يتوجه بقوة نحو مسرح بريخت “التغريبي” أو ما يطلق عليه (التعليمي أو الملحمي) الذي كان -حينها- يجتاح العالمين الشرقي والغربي، وذلك انطلاقًا من إصرار ونوس على أن للمسرح وظيفة تحريضية، أو تعليمية! فنراه في (بياناته) لمسرح عربي جديد (نشر في مجلة المعرفة العدد ) 104يقترح نظرية (مسرح التسييس) التي تحدد وظيفة عليا للمسرح؛ هي المشاركة والالتزام بقضايا المجتمع، وحمل هموم الناس والتعبير عنها، وعن أحلامهم وتطلعاتهم. كما تطمح إلى أن يكون المسرح مكانًا للحوار بين الخشبة والصالة. لذلك، هَدَمَ الجدار الرابع، وجعل الصالة امتدادًا للخشبة، وشجع الجمهور على المشاركة في العرض. كما اتكأ على التراث، عله يجد الموضوع أو الحكاية/ المقولة! وقد وجدها في الفيل يا ملك الزمان، ومغامرة رأس المملوك جابر، ومنمنمات تاريخية، وسهرة مع أبي خليل القباني، وغيرها، لكنه لم ينجح في إيجاد الشكل المسرحي المنشود! لأنه هرب من العلبة الإيطالية (المستوردة) إلى التغريب (المستورد) بدوره! متأثرًا -في الشكل وفي المضمون- بتجربة بريخت ومسرحه التعليمي الديالكتيكي (وقد وقعنا جميعًا تحت تأثيره يومها).
لا شك أن مسرح ونوس مسرح ملتزم، يتورط في الشأن السياسي بشكل مباشر. وقد أشار في لقاءاته -أكثر من مرة- أن الفرق كبير بين مسرح التسييس والمسرح السياسي، لكنه لم يخبرنا مرة واحدة، ما هو هذا الفرق! فمفهوم مسرح التسييس يوحي بما هو أدهى من المسرح السياسي! وهو تحريض الآخر (المشاهد) على ممارسة السياسة! لذلك أظن أن مسرح التسييس أسوأ من المسرح السياسي (من حيث شكل العبارة على الأقل). أما من حيث الجوهر، فلا أظن أن للفن وللثقافة –بعامة- وظيفة تبشيرية أو تعليمية أو (تسييسية)! لأن وظيفته موجودة فيه؛ في جوهره، في البحث الدائب عن الجمال الكامن في الإنسان والمجتمع والطبيعة. والفن -بالضرورة- حارس للقيم العليا للإنسانية وملتزم بالدفاع عنها: حق الحياة والحرية والكرامة والعدالة والحب والمساواة والتعبير والمشاركة، وكل القيم الأخلاقية التي ناضلت البشرية من أجل تكريسها –عبر مسيرتها الطويلة-، محولة ذلك الوحش البدائي إلى إنسان متحضر، والتي تعتبر اليوم قيمًا وحقوقًا من حقوقه الأساسية والمكتسبة. وكما أن الفن -والمسرح بخاصة- لا يستطيع أن يتخلى عن هذه الحقوق، ويقدم مسرحًا بلا قضية أو ضمير أو معنى؛ فهو لا يستطيع -أيضًا- أن يتحول إلى مجرد داعية أو مبشر بعقيدة محددة، تؤمن بها فئة أو سلطة ما. وهو إن فعل، فلن يقوده ذلك إلا إلى السطحية -في الحالة الأولى- أو إلى أن يصبح بوقًا لهذه السلطة أو تلك -في الحالة الثانية-؛ سواء كانت هذه السلطة، سطلة دولة أو مجتمع أو حزب أو ديانة أو قومية، أو حتى سلطة رأس المال… والمسرح لا يمكن أن يكون كذا ولا كذلك.
لذلك، لا بد من طرح سؤال واضح، قد يبدو ساذجًا، لكن الإجابة عليه ضرورية: ما هو الفرق بين المسرح العقائدي التبشيري، وفن المسرح الحقيقي؟
والجواب يمكن تلخيصه في أن المسرح العقائدي يدعو إلى، ويبشر بـ، ويناضل من أجل فكرة أو قيمة واحدة، تهم طبقة أو جماعة محددة من الناس؛ وهذا –بحد ذاته- كفيل أن يقيد ويحد من أفق المسرح، ويجعل سقفه منخفضًا، بينما يكافح الفن الحقيقي الحر من أجل قيم إنسانية عليا تهم البشر جميعًا، في المجتمع الإنساني الواحد والوطن الواحد. هذا من حيث المضمون. أما من حيث الشكل، فالمسرح العقائدي غير معني بالشكل الفني، وإن فعل، فسوف ينزلق الشكل معه لصبح عقائديًا بدوره، لأن المضمون هو هدفه الأساس. (ألا يصبح شعار المنجل والمطرقة أنسب شكل للتعبير عن العقيدة الشيوعية، ويصبح الصليب أو الهلال أو الشمعدان اليهودي، أنسب شكل للعقيدة الدينية، والصليب المعقوف أنسب للنازيين، والراية الخضراء أو السوداء للطائفيين، وصورة غيفارا للثوريين الأمميين، وخريطة الوطن العربي وصورة الزعيم، للقوميين العرب وغيرهم)؟ ألم يصبح ما يتنافى مع تلك العقائد ممنوعًا أو محرمًا؟؟
إن المسرح الحقيقي يدعونا لأن نترك العقائد نائمة وآمنة في صدورنا، ونأتي إليه بعقول منفتحة، بعيدًا عن التعصب الفئوي، بأشكاله المختلفة. أليس الأحرى بنا أن نفصِل العقيدة عن الفن، كما نفصل الدين عن الدولة والسياسة.
قد يختلف معي الكثيرون، لكني ومن خلال تجربتي (وقد تبنيت شخصيًا الواقعية الاشتراكية ذات يوم، ودافعت عنها)، تبين لي أن الفن لا يمكن أن يكون معلمًا! فالتعليم يعني طرح مقولات وأفكار جاهزة، (معان ومعايير علمية وقيم ثابتة وعقائد مقدسة) لا يجوز تبديلها أو تغيرها أو حتى المساس بها.! لذلك أرى أن التعليم مكانه البيت والمدرسة والأحزاب السياسية والدورات التدريبية، والكرازة أو التبشير مكانه الكنائس والمنابر والجوامع والكتاتيب، حيث تنعدم مقولة الحوار -التي دعا إليها ونوس نفسه-، لتحل محلها مقولة السمع والطاعة، وحيث يُسمح للصوت الواحد والرأي الواحد -فقط- أن يعلو الأصوات والآراء جميعها!
حدث ذلك في الفترة “الجدانوفية” والدكتاتورية التي مارسها ستالين على الثقافة والمجتمع، وفي فترة الفاشية والنازية التي مارسها موسوليني وهتلر، وفي الثورة الثقافية في الصين التي دعا إليها ماو تسي تونغ، والتجربة الناصرية في مصر عبد الناصر وثروت عكاشة (الذي رفض أن تتحول وزارة الثقافة إلى وزارة إعلام)، وثورة الفاتح وكتاب معمر القذافي (الأخضر) وما فعله الهاشميون والسعوديون والأشراف العلويون، وما شاكلهم من ممالك وإمارات وسلطنات مستبدة في الوطن العربي، وعلى رأسهم نظام البعث الذي أذاقنا الأمرين، في سورية والعراق، وحولّنا –جميعًا- إلى خدم وأبواق لشعارات الحزب الحاكم؛ سواء كانت تمجيدًا للثورة أو للقائد أو للمنجزات والشعارات الملفقة، عن الوحدة والحرية والاشتراكية والمقاومة والممانعة ومعاداة الاستعمار والإمبريالية والصهيونية…الخ. كل هذه الشعارات العقائدية، شعارات سياسية دعائية؛ يظنون أنها أبدية وهي آنية عابرة، لا تخدم إلا الحكام المستبدين العابرين، ولا يجوز للمسرح أن يتبناها. فغاية المسرح الأولى هي التجمع والنقاش، ثم التساؤل والتأمل في أعماق النفس البشرية، والوقوف مع الإنسان في صراعه مع الطبيعة ومع السلطات التي تظلمه وتقيد حريته وحياته، وفي صراعه مع محيطه، ومع نفسه، ومع أخيه الإنسان، هدفه هو تفجير طاقاتنا الإبداعية والجمالية ونبش أجمل ما فينا من قيم إنسانية وتكريسها، من خلال التجربة المسرحية.
لقد أخفق بريخت عندما أراد من المسرح أن يكون معلمًا، ولم يبق من مسرحياته التبشيرية، غير كتاب صغير اسمه “الأركانون الصغير” (وهو كتاب في نظرية ووظيفة المسرح، للمسرحي الألماني برتولد بريخت) يشرح فيه نظريته في شكل المسرح “التغريب”، وليس في وظيفته فقط. حتى أرسطو الذي طرح نظرية التطهير catharsis، في المسرح التراجيدي وهي (المحاكاة، وإثارة الخوف والشفقة لدى المشاهد)، كانت فكرته مبنية على الإنسانية، وليس على فئة اجتماعية، أو عقيدة محددة.
هذا لا يعني -طبعًا- رفض المسرح المدرسي الذي يُقدم للتلاميذ في مدارسهم، لغاية تعليمية، ولا المسرح التفاعلي الذي يقَّدم للنازحين في مخيماتهم، أو للفلاحين والعمال في قراهم وأماكن عملهم، ويناقش معهم همومهم وطموحاتهم. إنما هي دعوة لتحرر الفن من قبضة السلطة –أيًا كانت- وتحويله إلى أداة سياسية للسيطرة على المجتمع.
إن فكرة “المضمون” المقدس، والشكل التابع له -وهي فكرة الواقعية العقائدية- شكلت خطرًا كبيرًا على الفن. فالمسرح -أقدر الفنون على إعادة إنتاج الواقع- هو في نهاية المطاف، سينوغرافيا وتشكيل وظلال وإضاءة ومصائر وأرواح تتحرك على الخشبة، والوظيفة الأساس فيه هي: الحوار والتأمل والقدرة على الإقناع، وبناء الشخصية، وسبر أعماق النفس البشرية، والارتقاء بها. وليس غريبًا أن يهرب بعض المبدعين من هذا التحدي (الفن الحقيقي)، إلى الشعارات (السهلة والمبتذلة)، فنحن لا نجد لدى الكتاب المسرحيين العرب (إلا ما ندر) شخصيةً واحدة حقيقية، تخوض صراعًا حقيقيًا، شخصية مصنوعة من لحم ودم وعواطف وظروف ذاتية وعامة محيطة بها! بل هي شخصيات مجردة (أفكار) تمشي على قدمين! ومع ذلك، راح هؤلاء المبدعون (الطليعيون) يقيمون الدنيا ولا يقعدونها ضد مدرسة الفن للفن (الذاتية، البورجوازية) ويحتجون على ذلك بمقولة “الفن من أجل القضية”! علمًا أن مدرسة الفن للفن هذه، أقدم من البورجوازيات بآلاف السنين، وقد مارسها الإنسان البدائي عندما رسم الحيوانات على جدران الكهوف، قبل الحضارة واللغة والعقائد، حفر وغنى ورقص حول النار قبل النوتة الموسيقية! فهل يعرف أحد منا لماذا رسم، ومن أجل أي مقولة رقص الإنسان وغنى!؟
إذا كانت المقولة هي الأساس، فلماذا نصمم الديكورات والملابس ونجري التدريبات المضنية وننفق الأموال والوقت والجهد كله!؟ لماذا لا نكتفي) أو (الإسلام هو الحل) أو (يا عمال العالم اتحدوا)! إنها مجرد كلمات لا تقنع أحدًا ولا تصلح إلا للتلاميذ الصغار، أو الأغبياء الكبار! إذا كنتَ ضد المحتل، فحرق أعلامه لن يعيد أرضك! وإذا كنتَ ضد الحرب فعليك أن تجترح قيمًا جمالية ترتقي وتوازي مآسي الحرب، لا أن تطلق الهتافات وتسب مثيري الحرب وتحرق أعلام العدو. مهمة الفن -الذي يمجد القيم العليا- أن يقدم إبداعًا يحاكي هذه القيم، ويعبر عنها. إبداع لا يبدأ وينتهي بالصراخ؛ بل يبدأ من النص ولا ينتهي، حتى بعد انتهاء العرض.
إن القدرات كلها، تبذل من أجل الفن الموجود في هذه المسافة بين النص والعرض. هذه القدرات لا يمكن أن تكرس من أجل شعار يسهل تناوله وإلقاؤه من على منبر خطابة! ثم إن المباشرة والدعاية ممجوجة في الشعر والقصة والرواية والتشكيل والسنيما، وحتى في الخطابة، تأنفه النفس! وهي بعيدة –أصلًا- عن الفن، لأن هدفها هو مجرد الفكرة (المقولة). هل يمكن أن يكون الإنسان مجرد فكرة؟ وكيف نقنع الممثل بأن يتحول جسده إلى فكرة تتحرك فوق الخشبة!؟ وهل يمكن أن نقدم فكرة عظيمة بوسائل تافهة!؟ يتوجب علينا ألا ننسى بإن هذه الوسائل والأدوات هي صلة الوصل بين الخشبة والصالة. إنها أدوات العرض، فكيف نقنع الجمهور بها!؟ هنا يكمن جوهر الفن؛ في (الإقناع). لأنك عندما تتحدث عن الحب أو السلام أو الحرية –مثلًا- بشكل مبتذل وسيء، تصبح هذه القيم سيئة ومبتذلة بدورها.
إن التعبير عن الأفكار العظيمة لا يتم إلاّ بما يوازيها من الجمال والعظمة والسحر. لذلك أرى أن ونوس سرعان ما تأمل في هذه الأفكار، وانتقل -في المرحلة الأخيرة من حياته- إلى الجوهر؛ إلى النفس البشرية وقيمها. والذي يقرأ أعماله الأخيرة يكتشف الفارق بين مسرحية مثل (حفلة سمر من أجل الخامس من حزيران، الفيل يا ملك الزمان، مغامرة رأس المملوك جابر، الملك هو الملك …)؛ ومسرحية: (بلاد أضيق من الحب، رحلة في مجاهل موت عابر، الأيام المخمورة…)؛ حيث تخلى عن المباشرة و”التسييس”، واتجه إلى التأمل في روح الإنسانية. لكن موته المبكر عام 1997 حرمه، وحرمنا من إكمال هذه المتعة، كما حرمنا قبل ذلك من صديقه ورفيق دربه فواز الساجر الذي كان يرفض أن يقدم المسرحُ قيمًا ثابتة من منظور تبريري؛ حيث كان يقول: “المسرح المطلوب في وطننا هو ذلك المسرح الذي يؤكد قيمًا اجتماعية وأفكارًا جديدة من شأنها أن تدفع وعي الناس إلى الأمام” …. “أن المسرح يغيّر ولا يتغيّر”
Social Links: