“عرائس داعش” وقد خلعن الحجاب من أجل سوق العمل!

“عرائس داعش” وقد خلعن الحجاب من أجل سوق العمل!

وليد بركسية – المدن :

في العام 2015 التقط الصحافي المستقل جاك شاهين صوراً أيقونية لنساء يخلعن العباءات السوداء ليظهرن بثياب مزركشة وألوان زاهية. وفيما كانت تلك الصور تخليداً للحظة الخروج من الأراضي الداعشية نحو مناطق أخرى لم تبلغها “الخلافة” التي أزالت الحدود بين سوريا والعراق مؤقتاً، فإن مشهد خلع الأسود والنقاب الذي تقوم بهه داعشيات سابقات، وتنتشر صوره في وسائل الإعلام ووكالات الأنباء، لا تماثلها في الأثر العاطفي والقيمة الصحافية.

فصور السيدات السوريات والعراقيات الهاربات من الخلافة، وصور موازية لرجال وأطفال أيضاً، تجسد معنى الخلاص من القمع الداعشي مع اعتماد “الدولة الإسلامية” كتنظيم جهادي وسلطة أمر واقع، لأكثر التفسيرات تشدداً ضمن الإسلام، لفرض قوانين تتدخل في الحريات الفردية بما في ذلك الملابس. وفي تلك اللحظة تجسدت مشاعر الفرح والتمرد معاً، حيث كان اللباس الأسود الذي أجبرت النساء على ارتدائه، مجرد خدعة تبعد العقاب عن صاحباته، من السلطة الغاشمة، لا تأييداً لها أوالتزاماً عن قبول ورضى بما تسنه من قواعد للحياة.

أما الصور المتداولة لعرائس داعش، وهي التسمية التي أطلقت على عدد من النساء اللواتي تركن بلادهن قبل سنوات واتجهن إلى سوريا والعراق حيث تزوجن رجالاً من عناصر التنظيم، وتحولن اليوم إلى صداع لحكومات العالم وشعوبها، وهن يخلعن العباءات السوداء والحجاب والبرقع، من أجل ارتداء الملابس العصرية مع لمسات من الماكياج والإكسسوارات كالنظارات الشمسية الأنيقة، أمام الكاميرات، فتبدو في مجملها خدعة من نوع آخر، تحاول بها تلك السيدات لعب دور الضحية، مجدداً، وكأن انضمامهن للتنظيم الجهادي كان غلطة بسيطة، وليس خطراً حقيقياً.

وبرزت هنا صور للبريطانية شاميما بيغوم (21 عاماً) في مخيم “روج”، نشرتها صحيفة “دايلي تيليغراف” واصفة مشهد بيغوم بشعرها الأملس بأنه “انفصال عن الماضي الداعشي”، لكن تلك العبارة لم تتكرر، لحسن الحظ، في تقرير “فرانس برس” عن الفرنسية إيميلي كونيغ (36 عاماً) ضمن المخيم نفسه، بل تحدثت الجهادية التي تعود جذور تطرفها إلى حقبة ما قبل “داعش”، عن أن الحجاب والنقاب لا يناسبان عودتها المستقبلية وسوق العمل في فرنسا!

والحال أن الوكالة الفرنسية والصحيفة البريطانية، جالتا في المخيم كلاً على حدة. ورفضت ثماني بريطانيات إجراء مقابلات مع الصحيفة لـ”أسباب قانونية”، واكتفت إحداهن بالقول لمراسل “التلغراف”: “شكراً لمجيئك كل هذا الطريق”. ويوجد في مخيمي “روج” و”الهول” الواقعين تحت إشراف المقاتلين الأكراد الذين كانوا الحلفاء الأساسيين للولايات المتحدة ودول غربية أخرى في القتال ضد التنظيم المتشدد، الآلاف من أفراد عائلات التنظيم الأجانب.

وحسمت المحكمة العليا في بريطانيا، في شباط/فبراير الماضي، دعوى رفعتها بيغوم، للاستئناف على سحب جنسيتها البريطانية، معتبرة أن “الحق في محاكمة عادلة لا يتفوق على كل الاعتبارات الأخرى مثل سلامة الجمهور”، بحسب منظمة “هيومن رايتس ووتش”، علماً أن قرار لندن بإسقاط الجنسية البريطانية عنها، كان شجاعاً في وجه حملة امتلأت بها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، حينها، حاولت تصوير “عرائس داعش” الأجنبيات، كضحايا، وهو ما يتكرر اليوم مع الدفعة الجديدة من الصور.

ويبرز هنا جدل مُحقّ ومُلحّ حول مسؤولية الدول الأجنبية عن مواطنيها “الدواعش”، لأن التخلي عنهم يكرس فكرة الدولة الإسلامية ودعايتها التي ستركز من دون شك في المستقبل على خلق وهم بوجود مظالم ضد المسلمين في الغرب، وبالتالي الاستمرار في تجنيد الإرهابيين للقيام سواء بهجمات منفردة أو حتى السعي لإحياء تنظيم “داعش” بصيغة جديدة، كما حصل تماماً بعد الانسحاب الأميركي من العراق العام 2011 ونشوء “داعش” كأقوى تنظيم جهادي على الأرض، مع الإشارة إلى أن حديث كونيغ عن ذلك الظلم كان حاضراً في خلفية حديثها عن النقاب، وتخليها عنه كثمن لعودتها إلى الأراضي الفرنسية مجدداً.

والأسوأ من ذلك كله، هو التركيز على الجانب الإنساني للمشكلة فقط، رغم أن تصريحات “عرائس داعش” طوال سنوات، كانت قائمة على التماهي مع الواقع لتحقيق منفعة شخصية فقط، وهن قبل سنوات لم يُظهرهن أسفاً على خياراتهن الشخصية وقناعاتهن. والأسوأ ربما هو أن الحديث هنا يتعلق فقط بالمقاتلات الداعشيات من دون المقاتلين الذكور، وكأن انضمام النساء للتنظيم المتطرف هو نتيجة الخداع الذكوري لهن، رغم أن ذلك ليس الواقع تماماً.

ويجب القول أيضاً أن تصدير الإعلام العالمي لهذه الصورة عن المسلمات، يعزز الصورة النمطية في الغرب عن النساء المسلمات بوصفهن خاضعات ومسلوبات الإرادة ولا يمتلكن شيئاً من حريتهن أو قرارهن الشخصي، سواء كنّ محجبات أم لا. وبعض النظر عن أن النساء في المجتمعات المسلمة يكافحن ويحتجن فعلاً للتحرر من الوصاية الذكورية والدينية، فهذا السياق لا علاقة له بموضوع “عرائس داعش” اللواتي اتخذن قراراً واعياً بالتخلي عن أوطانهن الأصلية للانضمام لدولة الخلافة المنشودة، وهو فعل من أفعال الخيانة الوطنية بلا شك، كما أن تصويرهن فقط كضحايا مقابل تجريم الذكور الأجانب في صفوف التنظيم، يحمل بُعداً عنصرياً ضد الذكور والإناث على حد سواء من ناحية جندرية.

وتؤكد دراسة نشرها “المركز الدولي لدراسات التطرف التابع لكينغز كولدج” في لندن في تموز/يوليو 2018 أن عدد الأجانب في صفوف “داعش” يبلغ 41490 شخصاً، من بينهم 4761 امرأة و4640 طفلاً من 80 دولة، معظمهم من الشرق الأوسط وشمال أفريقياً، علماً أن عدد الأجانب الملتحقين بالتنظيم من بريطانيا يقارب نحو 850 شخصاً، بينهم 145 إمرأة وخمسين طفلاً.

وأوضحت مسؤولة في مخيم “روج”، فضلت عدم الكشف عن اسمها لـ”فرانس برس”، أن إدارة المخيم “منعت إخفاء الوجه وارتداء الملابس السوداء”، وهو ما يفسّر ارتداء غالبية النساء لعباءات واسعة ذات ألوان غامقة، كالبني والأخضر والأزرق، لكن تقرير “دايلي تيليغراف” أشار إلى أن خلع الحجاب واعتماد الملابس العصرية كان قراراً شخصياً من مجموعة مقاتلات داعشيات أوروبيات، علقت بشأنهم المسؤولة نفسها بأنهن “يحاولن إيهام وإقناع حكوماتهن بإعادتهن”، معتبرة أنهن غير صادقات وقلة منهن فقط “يعشن الندم” فعلاً.

وفي حالة كونيغ، بدأت المُحاسِبة السابقة طريق التشدد مبكراً، وكانت تقف أحياناً قرب أحد المساجد في فرنسا لتوزيع منشورات تدعو الى الجهاد. وفي العام 2012، قبل مغادرتها إلى سوريا، استدعيت للمثول أمام محكمة فرفضت نزع النقاب وتشاجرت مع أحد الحراس. وفي سوريا، ظهرت في أشرطة فيديو دعائية، وتوجهت في أحدها إلى وَلَديها اللذين تخلت عنهما في فرنسا قائلة: “الجهاد لن ينتهي ما دام هناك أعداء للتغلب عليهم”. وحتى عند “ندمها”، فإنها لم تتأسف إلا على نفسها، إذ لم تجد الراحة والجنة الموعودة في أرض الخلافة مثلما كانت تتمنى على ما يبدو، وقالت: “بالطبع أنا نادمة، لأن الأمر دمّر حياتي كلّها.. أريد العودة لينتهي ذلك.. أريد أن أحارب من أجل أطفالي”، من دون أي كلمة عن أسفها على المشهد العام أو على ضحايا التنظيم مثلاً!

ومنذ ظهوره في سوريا والعراق، اعتمد تنظيم “داعش” على مقاطع الفيديو الدعائية المصورة بطريقة سينمائية لجذب الأنظار إليه ونشر دعايته لتجنيد مزيد من المقاتلين الأجانب إليه، أكثر من أي تنظيم جهادي آخر مثل “القاعدة”. كما أنه أحدث خرقاً مع بقية التنظيمات التكفيرية في طريقة التعامل مع النساء ومنحهن مكانة لا تقتصر على جعلهن ربات منازل، فدرّب الجهاديات على استخدام الأسلحة ومنح النساء دوراً في نشر الدعاية عبر الإنترنت. وقبل أن تفقد الجماعة معقلها الأهم في الموصل، نفذت مجموعة من الانتحاريات عمليات تفجير ضد القوات العراقية، كما أسس التنظيم فئات من قوات “الحسبة” المكونة من النساء في مدينة الرقة السورية عرفت باسم “كتيبة الخنساء”.

وتشير حالة “عرائس داعش” إلى المصاعب السياسية والأمنية والقانونية أمام الحكومات الأوروبية، التي تناقش السماح لمئات الرجال والنساء الذين غادروا للقتال مع تنظيم “داعش” بالعودة. علماً أن التوتر حول كيفية تعامل الدولة الأوروبية مع الراديكاليين الإسلاميين الذين شاركوا في الحرب الأهلية السورية، أمر مطروح منذ فترة طويلة. فيما يشكل القلق الأمني السبب الأساسي لتردد الدول الأوروبية في استقبال أولئك الإرهابيين، فقال مدير الاستخبارات الخارجية البريطانية “أم آي6” السابق، أليكس يانغر، مثلاً، أن هؤلاء المقاتلين “ربما حصلوا على المهارات والصلات التي تجعلهم خطراً”.

 

  • Social Links:

Leave a Reply