زكي كورديللو بين اليونيسكو وسيبيريا السورية

زكي كورديللو بين اليونيسكو وسيبيريا السورية

علي سفر – تلفزيون سوريا :

اعتقال السوريين من قبل نظام الأسد ليس مجرد مسألة حقوقية وسياسية واجتماعية، بل هو، وبلا شك، قضية ثقافية وعلمية، يمكن النظر والتدقيق فيها، حينما يتم استعراض الأسماء التي قام النظام بتغييبها في سجونه، أو تلك التي قتلها تحت التعذيب في أقبية أجهزته الأمنية، أو أعدمها كما يقال في معتقل صيدنايا الرهيب، بناء على أحكام لمحكمة الإرهاب، التي شكّلها كي يمنح إجرامه بحق المعارضين الصفة القانونية.

 

كان نظام جوزيف ستالين قد أخفى وقتل عشرات الآلاف من المثقفين والفنانين والكوادر المهنية في سيبيريا الروسية، فصار موت هؤلاء بارداً كما هو طقسها، عبر سياسة تعمية وجودهم، ونفي فعاليتهم، وإنكار أثر غيابهم على التنمية والتطور في البلاد!

 

وطبقاً لهذا، فإن قائمة الأسماء المبرزة في مجالها، والتي ذهبت ضحية إجرام النظام في سيبيريا السورية قد تبدأ بأسماء كعمر عزيز الباحث في قضايا المجتمع والإدارة المدنية، ولن تنتهي بباسل خرطبيل (الصفدي) الفلسطيني السوري الخبير الدولي في عالم النشر الإلكتروني المتخصص في تطوير البرمجيات المفتوحة المصدر.

 

ومثل هذه القائمة ثمة أخرى تضم عشرات الآلاف من السوريين الذين كانت لهم بصمتهم في مجالاتهم المهنية والعلمية والفنية، لا تُعرف مصائرهم، في ظل تكتم النظام ومؤسساته على ملف الاعتقال السياسي، وسوى حصول الأهل على إشعار من السجل المدني بموت المعتقل، لن تكون هناك أي طريقة لمعرفة مصير أي شخص، ما يبقي بوابة القضية مفتوحة على مصراعيها، لتشكل التفاصيل في الجوانب الإنسانية والعاطفية والحقوقية والسياسية، أساساً لإدانة النظام وأدواته القمعية المباشرة، وتجريماً لطبيعته الدموية التي تقوم على إبادة المعارضين، ومحو آثار وجودهم في سياقاتها، فينتفي وجودهم في مكانهم الأصلي، وتختفي مع الزمن مواقعهم التي وصلوا إليها!

 

هنا، ثمة فئة ناجية من (جنيوسايد) الاستبداد الأسدي، هم أولئك الذين غادروا سوريا، باتجاه المنافي، حيث وجدوا فرصاً من أجل أن يستمروا في مناهضة الأسديين، ولكن، أي حال يمكن أن تنتهي إليه سيرة ذلك المهندس المعتقل، أو الطبيب المعتقل، أو المحامي، أو الإداري، أو الأستاذ الجامعي، وغير ذلك من مهن؟

 

تقصي الإجابة عن مثل السؤال، واجبٌ ضمن سياق تكوين سردية الوطن السوري برمته، وضروري لتبيان كيف تشتغل ماكينة الاستبداد في محاولاتها لشطب جرائمه، وإحالة الفاعل فيها إلى المجهول.

 

الأمثلة على ما سبق كثيرة، أقربها جرى في يوم المسرح العالمي الذي مر في 27 أذار، قبل أيام، حيث نشرت وكالة النظام الإخبارية سانا، تقريراً عن قيام الأمانة السورية للتنمية (تتبع لأسماء الأسد مباشرة) احتفالية بعنوان “مخايلون سوريون” على خشبة مسرح الدراما بدار الأسد للثقافة والفنون، وذلك ضمن برنامج “التراث الحي” و”انطلاقاً من صون التراث اللامادي السوري وتوظيفه في تنمية سورية وتجديد مجتمعاتها”. حيث اشتملت الفعالية على تقديم عروض في خيال الظل لعشرين شاب وشابة، جرى تدريبهم على استخدام أدوات هذا الفن السوري القديم.

 

وضمن سياق التقرير، تذكرُ مشرفة مشروع “إحياء وتطوير عنصر مسرح خيال الظل” في برنامج التراث الحي بالأمانة أن الأمانة بدأت منذ إدراج خيال الظل في قائمة الصون العاجل لدى اليونسكو وعبر برنامج التراث الحي بصون هذا الفن كتراث ثقافي لا مادي عبر تدريب أشخاص ليصبحوا مخايلين محترفين ضمن إطار نقل هذا المكون عبر الأجيال”!

 

غير أن ما لا تذكره هذه المشرفة وغيرها ممن عملوا في هذا المشروع، يأتي في أن فناناً سورياً مهما في مجال مسرح خيال الظل هو زكي كورديللو، جرى توصيفه من قبل صحافة النظام ذاتها في وقتٍ ما بأنه الوريث الشرعي لمسرح خيال الظل في سوريا، مازال مختفياً هو وابنه مهيار (طالب فنون مسرحية) مع شقيق زوجته عادل برازي وصديق آخر إسماعيل حمودة في سجون النظام منذ تاريخ الحادي عشر من آب لعام 2012، دون أن يعرف مصيرهم حتى الآن!

 

ما يعني أن جزءاً أساسياً من أسباب أزمة هذا النوع الفني، والذي بات قاب قوسين أو أدنى من الانقراض، إنما يعود إلى ممارسات النظام ذاته، الذي تحاول زوجة رئيسه، وعبر مؤسساتها الظهور بمظهر من يسعى للحفاظ على وجوده، كفن أصيل، يجب ألا يفنى!

 

وبينما كان مشروع الفنان المعتقل، ومنذ زمن ما قبل الثورة، تدريب وتكوين الكوادر، من أجل توظيف هذا النوع المسرحي، في سياق العمل التربوي والفني عموماً، تأتي الأمانة السورية للتنمية، لتبني “مجداً” على أنقاض الخراب الذي أحدثه النظام الذي تعمل فيه ومعه، كواجهة أمام المؤسسات الثقافية العالمية، ودون خجل، حيث يقوم العاملون لديها، بالتصريح أمام وسائل الإعلام بأن أزمة خيال الظل الراهنة سببها عدم وجود مخايلين سوريين سوى واحد فقط، ويشترك معها في هذا التضليل بعض من العاملين في الصحافة و الدراما، ممن يحملون خيامهم كل حين، لينصبوها بين خرائب الفضاء الثقافي السوري الراهن!!

 

إحالة الأسباب إلى غير أصلها، أمر يتكرر في الإعلان الذي نشرته اليونيسكو على موقعها، عندما تم تسجيل هذا النوع الفني على قائمة التراث الثقافي غير المادي الذي يحتاج إلى صون عاجل، والذي جاء فيه: “وقد تراجع انتشار مسرح الظل على مر السنين ولا سيما بسبب انتشار التكنولوجيا الحديثة وأنواع الترفيه الرقمي، فضلاً عن النزوح الجماعي للشعب السوري داخل البلد وخارجه بسبب النزاعات المسلحة الدائرة في سورية (…) وأثّر تضافر كل هذه العوامل سلباً في استدامة العنصر، إلى درجة أنه لم يبق سوى مخايل واحد في دمشق.”

 

تزدهي الأمانة السورية للتنمية في غير مكان من منصاتها أنها نجحت في توثيق مسرح خيال الظل من خلال وضعه على قائمة الصون العاجل لدى منظمة اليونسكو، وقد يكون هذا الأمر مجرد ادعاء، لكن من يقرأ النص السابق على موقع المنظمة العالمية سوف يتأكد من أنه قد كُتب في أحد مكاتب مؤسسة أسماء الأسد، حيث تُمحى التفاصيل عن كارثة تسبب بها زوجها ونظامه، ويحال كل شيء إلى الفاعل المجهول، عبر جعل الجميع يتصارعون بالسلاح، ما يجعلهم مسؤولين على قدم المساواة!!

 

وهذا أداء ليس بجديد، بل هو جزء من استراتيجية التخلص من الآثام، والإفلات المتجدد من العقاب!

  • Social Links:

Leave a Reply