وقصة ” بطاقة ذكية ” من أجل ” العدالة وكرامة المواطن”
د. عارف دليلة – صفحته الشخصية :
لن تسمعوا شيئا عن اخبار الموت أوالاختفاء الفجائي لاساطين التكنولوجيا العالميين وابنائهم واحفادهم ( انتحارا او” فقعا للمرارة !”) من نسل مخترعي الراديو والتلفزيون والارسال الفضائي والشبكة العنكبوتية العالمية ( النت) ووسائط التواصل الاجتماعي والهواتف المتحركة والبرامج والتطبيقات العبقرية والبطاقات الذكية والنقود الرقمية…الخ الخ ، وذلك اذا ما اجبروا على قضاء نصف ساعة من وقتهم الثمين جدا لسماع فيديو الحوار”المتقدم جدا”( ادناه) بين رجال حديثين في مظهرهم ومصطلحاتهم ، متكلسين جدا في مخبرهم ، رغم انهم غير مشكوك بقدراتهم الذهنية ( افتراضيا !)، و “القضية ” تدور حول شكل جديد من استخدامات ” البطاقة الذكية ” في بلد ما في العالم ، يتناقض مع استخداماتها العظيمة في ميع بلدان العالم الاخرى غير هذا البلد الذي يستنزف مسؤولوه ومواطنوه كل مايملكون من وقت وجهد وطاقات عقلية وعصبية وما يملكه بلدهم وشعبهم من فتات اموال مما لم تسرق بعد من اجل اختراع تطبيقات لم تخطر بال الاساطين التكنولوجيين لاستخدامها بالطريقة التي تجري هذه الايام في هذا البلد المنكوب الذي اصبح ، بكل شيء ، على يد المتسلطين على مقدراته الوحيد من نوعه على سطح الكرة الارضية ، والذي اسمه على الخارطة ، وللاسف الشديد ، ( سورية ) ، متناسين ان سورية هذه وفي امتداداتها الطبيعية كانت قبل آلاف السنين مهد الحضارات البشرية الكبرى !
ولن اتوغل “عميقا ” في تتبع تحليل” القضية ” موضوع النقاش في هذا اللقاء التلفزيوني ” الذكي جدا “، الذي لم استوعب منه شيئا بسبب عقلي المتحجر الذي كان يشتط بعيدا عن الموضوع ” الهام والخطير ” نحو تفسير مصطلح “حفظ الكرامة والعدل ” للمواطن السوري ، بهذا التطبيق العبقري ، بعد ان اصبح المواطن السوري عاريا منهما على مدى عقود قبل ان يصل الى هذه اللحظة التي سيعيدهما له فيها مخترعو “البطاقة الذكية “، وبالاخص بعد اكتشاف استخدامات هائلة لها تجعل الشركة السورية المسخرة لها تنافس اليوم ، في تسارع تكديس المليارات ، طبعا ، جميع اساطين التكنولوجيا العالميين ، مع “تفوق” هام عليهم هو ان كل قرش تجمعه هو نتاج النهب الفاضح الذي يدفع ثمنه روح تزهق او جسد يتمزق او بطن خاو يموت صاحبه من الجوع او طفل يتشرد جائعا عاريا بلا بيت او خبز او ثياب او اهل او امل بمدرسة او جامعة او مهنة اوظيفة او مستقبل انساني ، كل ذلك واصحاب هذه الشركة المتعملقة ، زهوا وانتصارا، ( تكامل!) لا يكلون ولا يملون وهم يفتعلون يوميا الازمات المعيشية التي تجعل بطاقتهم النهابة”الذكية ” الوسيلة الوحيدة للبقاء بالنسبة ل ٩٩% ( من غير ال ١% الذين يتعيشون على ضفافها ، قتلا ونهبا وارهابا وتدميرا ) من الشعب السوري الذي قدر له ان يبقى على قيد الحياة على ارض الاباء والاجداد الأباة الشم الذين قال عنهم النشيد السوري( ابت ان تذل النفوس الكرام !) وقد اصبح هذا الشر كله “مضونا” بقدرة “البطاقة الذكية” العتيدة !
بعد هذه العجالة لا بد من الملاحظات التالية:١_ من الملفت ان احدا من المواطنين المستانس بارائهم لم يبد تذمرا او اعتراضا على هذه النقلة العبقرية التي يجترحها قطاع تامين ممانعات الموت السريع من خبز ورز وسكر وشاي الى قطاع ممانعات العودة الى امتطاء الحمير الذي كادوا ان ينقرضوا وتمسكا بالبقاء في عصر الوقود الحديث باستخدام ” البطاقة الذكية ” بل استقبلوا هذا الانجاز بحبور وتقدير عال باعتباره يحفظ للمواطن “العدل والكرامة” ، كما يفهمهما “المعدلون جينيا” ، ولست استخدم هذه الصفة هنا احتقارا للمواطنين ، لا سمح الله ، وانا اكثر من يثق بقدراتهم غير المحدودة في ظروف طبيعية على ان يكونوا ممن يضرب بهم المثل في الابداع والانتاج والمهارة ، اسوة بما تتفتح في شتات اللجوء هذه الايام ازاهير اشقائهم السوريين الذين اقتلعوا من اراضيهم وبيوتهم ومشاغلهم واهاليهم في جميع المدن والقرى السورية ، وانما اقصد اولئك الذين اعتقدوا انهم يستطيعون ان يعدلوا الشعب السوري جينيا اذا ثبتوا ( او بالاحر ، ثبتهم الخارج) خمسين عاما تكفي بكل تطبيقاتها المشينة ك “مرحلة انتقالية” لنقله من جيل سوريين اصلاء ينحدرون من سلالات مكافحة مبدعة ممتدة على الاف السنين الى جيل بشر مهجنين منتسبين لسلالتم حصرا ، اصلا وفصلا !
فهل اظهار ” الشعب السوري ” على هذه الدرجة من الاستكانة والطمأنينة والرضا والقناعة ، حتى وهو جالس في سيارته ساعات وايام بانتظار دوره لتعبئة عشرين ليترا من البنزين ( وسورية كانت تنشر العروض لبيع فائضها من البنزين وهي ليست دولة مستخرجة للنفط بعد في الخمسينات !) وهو يصرف ربع هذه الكمية في الذهاب والاياب والانتظار ، وهل عرض المواطنين بهذه الصورة “الحضارية !” الصبورة بحد ذاته هو امر بريء من سوء النية ؟ ام لمجرد التأكد من مدى نجاح تجربة ” التعديل الجيني” ( قبل ان يفكر بيل غيتس بها بعقود ) وامكانية التمدد بتطبيقاتها في”سورية الجديدة”(التي اطنبوا بتقديمها لنا عامي ٢٠٠٠_٢٠٠١ قبيل اعتقالنا ) انتقالا بهذه التجربة من القطاع المعيشي _ الاقتصادي الى القطاع السياسي ، دون اي تخوف من اي رد فعل غير محسوب ، بعد ان ثبت بالدليل القاطع في “سورية الأجد ” ان”الحل العسكري” الذي اتبع على مدى عشر سنوات، بطريقة لم تحصل في التاريخ، خرج خالي الوفاض ، وكانه لم يكن ، طبعا بالنسبة لمرتكبيه ، وليس للدولة والشعب اللذين اصبحا ، بعد عشر سنوات من استخدامه، بكثافة همجية، اثرا بعد عين ؟
٢_ ترى ، ما الذي يجعل سورية وكائناتها عطشى جائعة الى الماء والنفط والغاز والرز والسكر والحبوب والعلف واللحوم والاسماك والالبان والاجبان والخضروات والفواكه والاعسال ، ناهيك عن الصوف والقطن والقماش واللباس والزهور والادوية والعلاجات ، بل وادوات ووسائل الانتاج من اليات ومعدات وجرارات وحصادات ووسائل شحن ونقل جماعي وخاص وقطارات وبواخر وطائرات ، ثم مساكن ومصانع وطرقات ومنتجعات وسياحات راقية ومحطات كهرباء وطاقات نظيفة ، والاهم من ذلك كله البشر اصحاب العقول والخبرات والمهارات ورجال الدولة والادارة والاقتصاد والتمويل والمصارف والتخطيط والتشريع والاعلاميون في مختلف وسائل الاعلام والنشر والفنانون من جميع اطياف الابداع والادب والفنون ، والجامعات والمعاهد ومراكز البحث العلمي والمدارس ومراكز التدريب المهني ، ودخول عالم العلوم الحديثة من ذرة وليزر واتصالات وطاقات متجددة بديلة وتغطية الارض السورية التي تغلب فيها البادية وتغيب عنها الصحراء والصالحة كلها لافضل الزراعات وقد كانت مغطاة بالغابات والنباتات وتعتبر الافضل لانتاج افخر المنتجات من تمور وزيتون وحمضيات واعناب وتفاح ورمان ولوز وتين وصبر وما لايعد ولا يحصى من اجود واطيب الثمرات ، ونضرب مثلا على امكانية ادخال زراعات ثمينة جديدة شجيرات “جيرتوفا” التي تنتج حبوبا تشبه الزيتون تنتج كل ٣ كغ منها ليترا من السائل النظيف غير الزيتي وغير الملوث للبيئة او الضار بالصحة والذي يمكن استخدامه كوقود نظيف في جميع المحركات ولا يحتاج اي تقنيات تزيد عن تقنيات استخلاص زيت الزيتون ودون مشكلات من المخلفات وتعتبر الارض السورية وباديتها من افضل البيئات لزراعتها ، وهناك امثلة اخرى كثيرة ، هذا بالاضافة الى الاحتياطيات المكنوزة في جوف الارض وعلى سطحها من الثروات النفطية والغازية الهائلة ةالفوسفات والمعادن النادرة ، واول هذه المطمورات آثار الامم الراقيةالقديمة والتي عوملت بطرق نهبية ووحشية وامتهان ، من قبل السلطة ، اولا، ثم من قبل القوى الهمجية الخائنة الاخرى والتي كانت اهم مستهدفات الاعداء ، ثم الاحتياطيات الكامنة في الاعماق من معادن وثروات لا تحصى مازال القسم الاعظم منها غير مكتشف او مستثمر بعد ،
ترى ، اما كانت سورية منتجة فعليا لمعظم هذه الخيرات وكانت تفيض على حاجات المنتجين ، افرادا او مناطق و محافظات ، يوزعون منها الكثير على جيرانهم غير المنتجين ، او يقايضونهم او يبيعونهم فوائضهم ، او يصدرونها الى الخارج لتستورد البلد بقيمتها حاجات اخرى لا تنتجها ؟ الم تكن سورية حاضنة لأهم القوى المنتجة وهي القوى البشرية المعطاء لكل الخيرات ؟ بل الم يكن بامكان السوريين مواكبة التقدم العالمي في معظم المجالات ، لا نقول لو توفر لهم الدعم ، بل نقول:
آ _ لو لم تعطل وتكبل قدراتهم بشكل هادف ومرسوم وتختلق وتفبرك و توضع امامهم العراقيل ، ولو تركوا يتمتعون بما اعتبره مؤسس علم الاقتصاد السياسي ادم سميث في كتابه المؤسس “ثروة الامم” ( ١٧٧٦ ) اس التقدم الاقتصادي وهو مناخ الحرية الخلاقة ” دعه يمر ، دعه يعمل!” ، اولا ، ولتأت بعد ذلك كل الاضافات الاخرى المستجدة والداعمة للايجابيات والمانعة للمعيقات ولطغيان الحكومي على الحريات الفردية او الفردي الخاص على العام الاجتماعي ؟
ب _ لو استمرت بالتطور الايجابي الاخلاق العامة والشخصية الرادعة للاعتداء على الحقوق العامة والخاصة المرعية من قبل دولة دستور و قانون وسلطات وادارات واجهزة كفؤة ونزيهة وقضاء ملتزم بالعدل ، تعلي كلها قيم الخير والحق والعدل والاحترام للانسان وتحاصر وتمنع تنمر اعدائها !
وفي كل ذلك اضع السلطة ، بكل هياكلها واشخاصها ومؤسساتها ، بدءا من الاعلى وحتى الادنى ، في موقع القدوة والمسؤولة الاولى والرئيسة عن اشاعة ذلك ، سواء بخيره او بشره ، في كل انحاء الجسد الاجتماعي . فهلا يتخلص الناس من مخادعة انفسهم بانتظار الصلاح من الفساد والخير من الشر ؟
ومتى ترجع مهمة انتخاب الاشخاص الكفؤين ، علما واخلاقا، الى يد الشعب الذي يمتلك من الفطرة وحسن التقدير ما يكفي لتجصين بلده من الفاسدين والمتربصين !
ج _ بالتاكيد ليست الاخلاق الطيبة والسلوك الصالح والايثار ، على اهميتهم العظيمة، وبالاحرى الدروشة والغيبيات والسلفيات والهلوسات ، هي التي تحقق الاماني وتصنع المعجزات . الذي يحقق المعجزات هو العلم والتعليم والتجربة والخبرة والاخذ باسباب التقدم في الزراعة والصناعة وانتاج المواد النافعة والعمل بروح المنافسة الخلاقة في جميع مجالات الحياة وفق المقاييس والمعايير الدولية السائدة .
د _ ان من يغرقون في فبركة التنظيمات الهمايونية للوقائع اليومية انما يتقصدون ان يزرعوا في اذهان المواطنين المحاصرين بان ما يعيشونه هو الوحيد الحقيقي الممكن ومن غير الجائز والمسموح لهم التفكير بامكانية الانتقال منه الى اي واقع اخر ، وكان العالم كله وهم ، اما الشيء الحقيقي الوحيد فيه فهو نحن ( “هم” ؛ حسب التعبير غير المقصود الذي افلته لسان رئيس الوزراء عام ١٩٨٦ وهو يلقي كلمته في عيد العمال في الاول من ايار على منصة قاعة الاجتماعات في مبنى اتحاد العمال ؛ وكالعادة في المتاسبات ” الثورية ” تكون القاعة مقسومة الى ربع وثلاثة ارباع : الربع يجلس عليه القياديون الحزبيون والحكوميون ويكون وراء المنصة الخطابية ، بينما البقية تكون القاعة التي امامه ويخطب عليها وهي الموظفون والاتباع ونادرا _الجمهور ، فافاض سيادته في التحدث عن تكريم العمال باعتبارهم المنتجين والمكافحين ، واذ به يستطرد فجاة ، ربما بعودة الروح والوعي، بان من يتحدث عنهم من العمال المنتجين الحقيقيين هم الجندي المجهول الذي يعطي كل شيء وهو محروم من كل شيء ،( وهو ما كان يبعث على التساؤل : من هذا المتحدث الذي يتحدث عن العمال بهذه اللغة الثورية ؟ ) ويتساءل : ولكن من هو المسؤول عن حرمان العمال من المقابل العادل لما ينتجون وعن فقرهم وسوء اوضاعهم ؟ ليجيب ، وباشارة غير مقصودة من ابهامه نحو المنصة الخلفية التي يجلس عليها جميع المسؤولين : انهم هم ! انهم هم الذين يقتنصون ثمرات جهود العاملين ويستغلونهم اشد الاستغلال !
وكانت رمية من غير رام !
ه _ وهنا نصل الى بيت القصيد : ان تقدم او انهيار الدول رهن بقسمة السلطة والثروة بين اهلها !
اننا لا نقصد هنا القسمة الحسابية وانما نعني القسمة الاقتصادية ، اي تلك التي تحقق النمو الاقتصادي والتقدم العام للدولة وللتنمية الاجتماعية والانسانية والسعادة للمواطنين وتمنحهم في الوقت نفسه افضل فرص العمل والعيش .
يقال ان هناك حديث شريف يقول ما معناه : اذا رايتم الشمس تشرق من الغرب فاعلموا انها الساعة !
ورغم ان الحديث الشريف لا يمكن ان يكون مناقضا للحقائق العلمية ، اذ ان احدا يمتلك ذرة من العقل لن يسلم بان الشمس ستشرق يوما ما من الغرب ، اللهم الا اذا اكره باشد انواع الارهاب ولم يعد يستطيع الدفاع عن الحق المثبت علميا ، مثلما كفر مجمع الكرادلة غاليليه في القرون الوسطى في روما انطلاقا من نظريتهم الدينية _ السياسية القائلة بان الارض ( اي : هم ) هي مركز الكون وهي ثابته ” الى الابد ” ، والشمس هي التي تدور حولها ، وتحت التهديد بالقتل اجبروه على ان يتنكر لنظريته المعاكسة لهم بعد ان راى بام عينيه واراهم بام اعينهم ،عبر منظار بسيط اخترعه، صورة الكون الحقيقية ؛ وكيف ان الارض هي التي تدور حول الشمس ، ورغم انه اضطر الى الانكار اللفظي لما راه ، لكنه قال بعده قولته الشهيرة : ” ومع ذلك فانها تدور !” . . وليس الغرض من اقحام هذه المسالة ، وكذلك الحديث الشريف المزعوم هنا الدخول في نقاش ديني او فقهي ، وهذا خارج عن موضوع هذا المقال !
انما اختم بالقول : ان ما رايته في الوطن العربي ، من اقصاه الى اقصاه ، في معاداة العلم والحق والقانونو والعدل والخلق الحميد وعامة الشعب وكرامة الانسان والكائنات الحية والانحياز بكل همجية واستهتار بكل ذلك الى الاتجاه المعاكس لهم من قبل قوى الامر الواقع المهيمنة ما يشكل اكبر “تميز” للوطن العربي عن العالم كله ، مما يؤكد ديمومة ركوده وتخلفه لاجال طويلة قادمة ، وما رايته يكفي لان اؤكد وبصرامة بالغة على اني شاهدت بام عيني الشمس تشرق من الغرب ، ولكن دون ان تقوم الساعة ، وسابقى اردد مع غاليليه : ومع ذلك فانها تدور !
واخيرا ، وليس آخرا ، ان مسروقات شخص واحد فقط المستمرة والمتعاطمة منذ اكثر من نصف قرن وحتى عصر الموت جوعا الراهن ( ويبلغ تعداد افراد هذه الفصيلة في سورية الالاف ) تكفي لاغراق سورية بالحاجات الاساسية لسنوات وتكفي للحيلولة دون تناقص الدخل الحقيقي للفرد السوري ، وتكفي للدوس على كل ” البطاقات الذكية ” وعلى كل ماخلفها ومن خلفها من خيانات لسورية ، دولة وشعبا ، ومع ذلك فالتلفزيون السوري وجهابذته يجتهدون كثيرا في مناقشة تفاصيل التطبيقات الذكية التي ترمز للبطاقة المذلة للشعب السوري والتي لا تزيد. عن مجرد قطعة بلاستيكية !

Social Links: