مخططان لسورية ما بعد الحرب مخطط للأسد الابن وأخر لفلاديمير بوتين
ترجمة الرافد عن جيروزيلم بوست الاسرائيلية يعرض في هذا المقال الصحفي عاموس رؤية اسرائيل لمستقيل سورية , في جرعة عالية من التهكم والطائفية
يمكن لبيبي نتنياهو أن يحلم فقط بامتيازات الأسد هذه: 21 سنة متتالية في السلطة، انتصارات انتخابية مطلقة، دون الحاجة لأية محادثات ائتلافية، لا خوف من سيف القضاء المشرع في معركة لا تكف وسائل الإعلام فيها عن الشتم واللعن.
ولكن في المقابل كانت الآثار الجانبية لهذا الاحتكار السياسي، مذبحة بنكهة الحرب الأهلية، مع تهجيرالسوريين، ونزع لملكية المعارضين، ولم تستطع هذه المجزرة التي اخذت طابع الحرب المقدسة من دفع المتسبب الى الرحيل. على العكس من ذلك، فبشار الأسد في حالة جيدة حتى مع دخول الحرب الأهلية عامها الحادي عشر، ومن المقرر أن تدخل رئاسته الأبدية فترة ولايتها الرابعة على امتداد سبع سنوات تالية.
فالرجل الذي قتل عربا أكثر من أي شخص آخر في التاريخ الحديث لن يذهب إلى أي مكان. والأسوأ من ذلك، أن الجهود المبذولة لبناء وتشكيل سورية ما بعد الحرب ليس لها دليل عملي، فالمتحاربين ورعاتهم المتعددين فشلوا جميعًا في وصف الدواء الوحيد القادر على علاج المرض الطائفي في سورية والمتمثل بالطلاق.
يوجد حاليًا مخططان رئيسيان لسورية ما بعد الحرب: مخطط للأسد وأخر لفلاديمير بوتين.
بعد استعارة صفحة واحدة من فرانسيسكو فرانكو، الذي انتصر في الحرب الأهلية الإسبانية بإطلاق العنان للقوات الجوية الأجنبية على مدنه، يخطط الأسد الآن لمحاكاة وتقليد فرانكو على الصعيد السياسي أيضًا، أولاً من خلال استعادة أراضيه التي فقدها ، ثم من خلال تكريس حكمه الاستبدادي.
وهذا يعني استعادة حالة الشذوذ التي كانت قائمة قبل الحرب، حيث كانت الأقلية العلوية، أقل من 15٪ من السكان، تحكم الأغلبية السنية حوالي 70٪، إذا عددنا الاكراد مع العرب السنة الذين يناهزون60% من السكان.
في غضون ذلك، يستخدم الأسد أزمة اللاجئين لتقليص السنة و تحويلهم إلى أقلية. ولهذا السبب أصدر تشريعًا مصممًا لطرد السوريين الذين شردهم بالفعل، ولنفس السبب سمح لإيران بنقل الشيعة الأجانب إلى منازل هجر منها السنة الذين فروا من قذائف مدافع الهاو تزر.
اما خطة بوتين فأقل تشاؤمًا، حيث تتسامح في نقل بعضا من السلطة الرئاسية إلى المجلس التشريعي وإنشاء اتحاد من شأنه إضفاء شرعية على المعارضة مع إعطاء الأقليات صوتًا.
لكن الأسد مازال يرفض حتى هذه “الاصلاحات ” المعتدلة، مخاطرا في إثارة غضب راعيه الروسي، ناهيك عن الأمم المتحدة، التي ظل الأسد يماطل محادثاتها الدستورية في جنيف حتى فقدت أي مصداقية، أما اللاعبون الآخرون فليس لديهم رؤية لما بعد الحرب على الإطلاق.
ففي حين تركز تركيا على تخريب الحكم الذاتي الكردي، تحرص أمريكا على رعاية هذا الكنتون.
لقد اختفت جامعة الدول العربية فعليًا في حين أبحرت المحادثات حول مستقبل سوريا بعيدًا عن الأراضي العربية، إلى جنيف وأستانا وسوتشي كما اختفى الدبلوماسيون الأوروبيون أيضًا، على الرغم من أن الحرب دفعت ملايين اللاجئين إلى شواطئهم غير المرحبة بضيوفها.
في غضون ذلك، لا يزال الاقتصاد مدمرًا لأن روسيا لا تملك المليارات التي تطلبها سوريا لإعادة الإعمار، ولن يضع الغرب الأموال في أي مكان بالقرب من جيوب الأسد.
يمكن أن يتغير كل شيء إذا اعترف لاعبان – الجامعة العربية وروسيا – علنًا بالقضية الجوهرية للحرب: استمرار نظام حكم الأقلية في سلالة الأسد.
رسم الأوروبيين خريطة سوريا الحديثة فأجبروا الخصوم الطائفيين على النوم في فراش سياسي واحد.
وعلى الرغم من أن أقليات أخرى كالدروز والطوائف المسيحية المتنوعة هي من بعض الطوائف السورية إلا أن الانقسام الطائفي الرئيسي يكمن بين شرق سورية، حيث يعيش معظم السنة، والغرب، حيث يتركز العلويون على ساحل البحر الأبيض المتوسط وجبال النصيرية إلى الشرق.
كان السنة – الذين هم معظم لاجئي الحرب البالغ عددهم 13.1 مليون ، بما في ذلك 6.6 مليون داخل سورية- أهداف الجانب المجهز بشكل أفضل،و الآن نجد ان الأهداف الباقية والتي مازالت تشكل الكتلة الحرجة للسكان في سورية تكره الأسد وعشيرته، وهم بغض النظر عما يخطط لهم، سوف يحتاجون إلى الوظائف والسكن والكرامة التي لن يوفرها الأسد أبدا وإذا ما أُجبروا على العودة إلى حكمه، فسوف يتفاقم الانتقام وسيستأنف العنف الذي لم يتوقف أصلا .
لذلك يجب أن يكون الحل هو التقسيم: دولة علوية في غرب سورية ودولة سنية في الشرق، بالطريقة التي اقتطعت بها كوسوفو وتيمور الشرقية وجنوب السودان من صربيا وإندونيسيا والسودان، في ظل ظروف مماثلة.
لكي تزدهر شرق سوريا، ستحتاج إلى الشرعية والمعيشة. لكلا السببين، يجب أن يكون منشئها هو جامعة الدول العربية، بينما تضمن موسكو قبول العلويين على مضض. ستدعم واشنطن وبروكسل المشروع بسعادة من بعيد.
بعد 76 عامًا على تأسيسها كان تاريخ جامعة الدول العربية سلسلة من الاخفاقات تنال من أهميتها. وهاهي ذي الفوضى السورية تدفع بها الى مستوى منخفض جديد، فالجامعة العريقة تراقب بلا حول ولا قوة احتلال تركيا لشمال سورية، واحتلال روسيا غربها، تراقب المعسكرات الأمريكية في شرق سورية ، وانتشار الميليشيات الايرانية في المناطق القريبة كما المناطق النائية.
الآن يمكن لجامعة الدول العربية – أي مصر والمملكة العربية السعودية – إعادة اختراع سوريا، وبالتالي الاستيلاء على المستقبل العربي.
ستكون عاصمة شرق سوريا وحدودها وترتيباتها الطائفية لبناتها العرب ليهندسوها كما يشتهون، ومع ذلك، فإن الجفاف المحتمل لأرضها أحدى مشاكلها المؤجلة ، فعلى الرغم من احتوائها على جزء من نهر الفرات الا انه لم يكن كافيا للحد من موجات الجفاف التي اجتاحت المنطقة قبل الحرب و دفعت الآلاف من المزارعين السنة إلى المدن حيث تركهم لامبالاة الأسد عاطلين عن العمل، وغذى نقمتهم وتمردهم ، سوف يتغلب شرق سوريا على ازمة المياه من خلال تحليتها ونقلها من المملكة العربية السعودية بأنابيب تصل الى 1100 كيلو متر تمر عبر الأردن .و سيكون خط الأنابيب هذا أقصر من خط الأنابيب الذي حمل النفط السعودي من الخليج إلى بيروت، وبالتالي، فإن المياه الوفيرة حديثًا ستولد المزارع والنقود والصناعة والمدن الجديدة التي ستحول الصحراء السورية.
إن ظهور شرق سورية، الذي أنشأته القوى العربية السنية، سيخدم مصالح جميع القوى المتورطة حاليًا في سوريا، باستثناء إيران.
ستقود صناعة البناء التركية المشاريع في شرق سورية، وهي فرصة يمكن أن تجعل أنقرة تتسامح مع الحكم الذاتي الكردي في هذا الشرق. و بدلاً من استدعاء روسيا باعتبارها الدولة التي ساعدت في إخضاع السنة ، سيتم استدعاؤها على أنها الدولة التي أعطت الضوء الأخضر لتحريرهم من الأقلية العلوية .
ستحصل الولايات المتحدة على محور سني بين الشمال والجنوب من شأنه أن يقضي على هلال الشيعي بين الشرق والغرب والذي تعمل إيران على تمديده بين بيروت وطهران، وستستقبل أوروبا عددًا أقل من اللاجئين الذين يتدفقون على شواطئها.
لقد انهار الاتحاد العرقي اليوغوسلافي بعد 11 عاما من وفاة مؤسسه تيتو، كما انهارت الجمهورية السورية التي تحكمها الأقلية بعد 11 عاما من وفاة مؤسسها حافظ الأسد. لقد حان الوقت لينضم نظامه السياسي إليه في قبره.
Social Links: