العلوم لم تكن حكرًا على الرجال.. عالمات مسلمات بزغ نجمهن في التاريخ الإسلامي

العلوم لم تكن حكرًا على الرجال.. عالمات مسلمات بزغ نجمهن في التاريخ الإسلامي

ساسة بوست:

يخبرنا التاريخ بأن المرأة المسلمة شاركت الرجل في بناء الثقافة والحضارة الإسلامية، وتفوقت في الشعر، والأدب، والعلوم، والفنون، فضلًا عن ذلك أظهرت بعض العالمات المسلمات مساهمات ملموسة في الرياضيات، وعلم الفلك، والطب والرعاية الصحية، وعلوم الدين أيضًا. وفي السطور التالية نستعرض أبرز هؤلاء النساء اللاتي بزغ نجمهن في التاريخ الإسلامي.

مريم الإسطرلابي.. فلكية عبقرية كرمها الغرب

من علم الفلك إلى الملاحة، تمنح النجوم بعض الناس مصدرًا للإلهام في حياتهم، وفي سوريا القرن العاشر الميلادي، كانت هناك امرأة مسلمة وجدت شغفها ومصدر رزقها في النجوم. إنها مريم الإسطرلابي، والتي تُدعى أيضًا العجلية بنت العجلي الإسطرلابي.

ولدت مريم في مدينة حلب السورية في القرن العاشر الميلادي، لعائلة من المهندسين والمصنعين، وكان والدها الإسطرلابي المعروف، العجلي الإسطرلابي، الذي تدربت مريم على يده لصناعة الأسطرلاب، قبل أن تتلمذ على يد الفلكي البارز، محمد بن عبد الله ناستولوس، الذي صنع أقدم إسطرلاب في العالم باقٍ إلى الآن.

والإسطرلاب هو أداة تستعمل في علوم مختلفة مثل علم الفلك والملاحة، واستخدمه العلماء في تحديد موقع الشمس والكواكب، وخطوط الطول والعرض، وقديمًا استخدمه علماء المسلمين في تحديد جهة القبلة، وأوقات الصلاة، وأيام بداية رمضان والعيد، وبالتالي، ومن هنا يتضح الدور الحيوي للإسطرلاب آنذاك، ولذا كانت صناعة مثل هذه الآلات مهنة مرموقة.

وقد نبغت مريم في مجالات الفلك، والرياضيات، والهندسة، وفي صناعة وتطوير الإسطرلاب، فكانت تصميماتها المصنوعة يدويًا معقدة للغاية ومبتكرة، وقادتها للعمل لدى سيف الدولة، أمير حلب، من عام 944 إلى 967م. وقد سمّي «كويكب الحزام الرئيس 7060»، الذي اكتشفه هنري هولت في مرصد بالومار عام 1990، بـ«العجيلة» تكريمًا لها.

لبنى القرطبية.. رياضية وخطاطة كسبت ثقة الخليفة

عاشت لبنى القرطبية في القرن العاشر الميلادي، وكانت من عالمات الأندلس وبرزت في الحساب والمعادلات الرياضية، واستطاعت حلّ أكثر المعضلات الهندسية والجبرية تعقيدًا المعروفة في ذلك الوقت، واهتمت بتعليم الأطفال مبادئ الحساب وجدول الضرب.

وكان لها معرفة واسعة بالنجوم، ونظم الشعر والعروض، وترجمت العديد من النصوص اليونانية التاريخية، وكان لها فضل كبير في نقل العلوم، فكانت تسافر عبر الشرق في رحلات إلى القاهرة، ودمشق، وبغداد، لشراء كتب لتوسيع مكتبتها.

ونظرًا لبراعتها، كلفها الحكم الثاني، الخليفة الأموي للأندلس والذي كان مولعًا بالعلوم والكتب، كلّفها بنقل ونسخ أمهات الكتب ليضعها في مكتبته الخاصة، وعملت لبنى على ذلك بالفعل، وضمت مكتبته حينها 400 ألف مجلد. وعينها الحكم الثاني أيضًا كاتبته الخاصة، لتدوين وثائق الدولة الرسمية لجمال خطها.

سُتَيتة بنت المَحاملي.. عالمة وفقيهة يستفتيها الناس

عاشت سُتَيتة في النصف الثاني من القرن العاشر الميلادي، وترعرعت وسط عائلة متعلمة من بغداد، فكان والدها القاضي أبو عبد الله الحسين، الذي له عدة مؤلفات منها كتاب «الدعاء»، و«صلاة العيدين». وكان عمها من علماء الحديث، وقد تعلمت ستيتة على يد والدها إلى جانب عديد من العلماء، من بينهم أبو حمزة بن قاسم، وعمر بن عبد العزيز الهاشمي.

وبرعت ستيتة في الأدب والحديث والفقه، وفي الرياضيات، إذ كانت خبيرة في الحساب والفرائض (علم المواريث)، وهما فرعان تطبيقيان للرياضيات تطورا في وقتها، ويقال أيضًا إنها ابتكرت حلولًا للمعادلات التي وضعها علماء آخرون.

وقد أثنى عليها مؤرخون مثل ابن كثير، والخطيب البغدادي، وابن الجوزي الذي ذكر عها في كتابه «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم»: «كانت فاضلة عالمة، من أحفظ الناس للفقه على المذهب الشافعي.. وكانت تفتي مع أبي علي بن أبي هريرة.. وحدثّت وكُتب عنها الحديث»، وتوفيت عام 987م.

رفيدة الأسلمية.. ممرضة أسست أول مشفى ميداني في الغزوات الإسلامية

ولدت رفيدة الأسلمية في قبيلة بني أسلم بالمدينة المنورة. وكان والدها سعد الأسلمي من أمهر الأطباء، ومنه اكتسبت رفيدة كثيرًا من معرفتها الطبية، وتعلقت بمهنة التطبيب ومداواة المرضى.

وقد شاركت رفيدة في الغزوات والمعارك مع الجنود، تحمل معها خيمتها وأدواتها على ظهور الجمال، وتنصبها قرب معسكر المسلمين، لعلا الجرحى والمصابين. وتعد خيمتها المتنقلة تلك أول مستشفى ميداني في حضارة الإسلام. ولم يقتصر دور خيمة رفيدة على علاج المصابين، بل كانت تعمل فيها على تدريب المسلمات على التمريض والإسعافات الأولية والرعاية الطارئة.

وكان النبي محمد قد أذن لها ببناء خيمة داخل المسجد النبوي في المدينة المنورة لتقديم الرعاية الطبية والتدريب على التمريض، وعالجت فيها المرضى رجالًا ونساءً. وعملت فيما يشبه دور الأخصائية الاجتماعية، ساعدت في حل المشكلات الاجتماعية المرتبطة بالأمراض، وقدمت يد العون للأطفال المحتاجين، وفي رعاية الأيتام، والمعوقين، والفقراء.

الشفاء العدوية.. فضلها عمر بن الخطاب وعلمت ابنته حفصة

وفي الرعاية الطبية تبرز أيضًا الشفاء العدوية، التي كان لها حضور قوي في التاريخ الإسلامي المبكر إذ أسلمت قبل الهجرة وكانت من المهاجرين الأول إلى المدينة. وكانت من القليلات المتعلمات والمجيدات للقراءة والكتابة، وقد تتلمذت على يدها حفصة بنت عمر بن الخطاب، فتعلمت منها القراءة والكتابة قبل زواجها من النبي محمّد.

وكانت الشفاء تستخدم علاجًا وقائيًا ضد لدغات النمل، ووافق الرسول على أسلوبها، وطلب منها تدريب مسلمات أخريات، وكانت ماهرة في الطب والتمريض، واسمها الحقيقي ليلى، لكنها اكتسبت اسم الشفاء، نسبةً إلى مهنتها ممرضة وممارسة طبية. وكان عمر بن الخطاب يفضلها ويقدمها في الرأي تقديرًا لمعرفتها.

في علوم الدين.. عالمات وفقيهات تتلمذ على أيديهن العلماء والخلفاء

كان للنساء المسلمات حظ وفير في علوم الدين أيضًا، فظهرت أسماء بارزة لعالمات وفقيهات تعلم على أيديهن كبار العلماء والفقهاء.

منهم عائشة بنت سعد بن أبي وقاص، التي كان والدها خال النبي صلى الله عليه وسلم، ومع أنها لم تعاصر النبي، إلا أنها حفظت وروت عن أبيها ما سمعه من الحديث، وعاصرت ستةً من زوجات النبي وتعلمت منهن الدين الإسلامي، كما يذكر الزركلي في كتابه «الأعلام»، وكانت فقيهة وعالِمة، تعلم منها الإمام مالك مؤسس المذهب المالكي في الفقه، وروى عنها وأثنى عليها في علمها وأمانتها في الرواية والحفظ، وتتلمذ على يديها عدد من العلماء والفقهاء، وأخرج لها البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.

ومن العالمات البارزات هجيمة بنت حيي الأوصابية، وتدعى أيضًا أم الدرداء الدمشقية، التي عاشت في القرن السابع، وكانت فقيهة بارزة، تدرس الحديث والفقه في المسجد، وتجلس في حلق القراء تعلم القرآن.

وكان من بين طلابها، عبد الملك بن مروان، الخليفة آنذاك، كما يذكر شمس الدين الذهبي في كتابه «سير أعلام النبلاء»: «كان عبد الملك بن مروان كثيرًا ما يجلس إلى أم الدرداء في مؤخر المسجد بدمشق». واعتبرها إلياس بن معاوية، أحد العلماء والقضاة البارزين، أنها من أفضل علماء الحديث آنذاك.

  • Social Links:

Leave a Reply