رغم كل محاولات الإنكار التي دأب حزب الله على لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله ترويجها حول عدم وجود عناصر لحرس الثورة الإيراني في لبنان، فقد جاء بيان النعي الذي أصدره الحرس حول وفاة نائب القائد اللواء محمد حجازي ليؤكد المؤكد.
وأشاد البيان بالدور الذي لعبه حجازي في لبنان لسنوات طويلة بصفته المسؤول عن الحرس الثوري هناك، ما يزيد من حجم التكهنات التي تطرح حول حقيقة المعلومات التي يمتلكها نصرالله والمتعلقة بحجم عمليات الحرس الثوري في لبنان والمنطقة من ناحية، وحول حقيقة “الوفاة” المزعومة بنوبة قلبية أصابت حجازي من ناحية أخرى.
ما يدفع إلى التساؤل هو أنه بعد مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني من خلال غارة استهدفت موكبه بعيد وصوله إلى مطار بغداد، ثم اغتيال العالم النووي الإيراني فخري زادة، والانفجار “الغامض” الذي أصاب منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم في إيران، جاءت وفاة حجازي بنوبة قلبية “مفاجئة” استناداً إلى السلطات الإيرانية الرسمية لتثير التساؤلات حول حقيقة “أسباب” الوفاة وما إذا كان لذلك علاقة بـ”خطة” أميركية – إسرائيلية مزعومة لضرب مقومات البرنامج النووي الإيراني.
غير أن ما يعنينا في هذا الموضوع هو الدور الذي لعبه حجازي كمسؤول عن قوات الحرس الثوري في لبنان استناداً إلى ما ورد نقلاً عنه، وهل يدخل هذا الدور في إطار “الانتشار” الإيراني في أربع عواصم عربية على ما كان سليماني يؤكد؟ وهل أن السيد حسن نصرالله الذي نفى مرارا وتكرارا وجود قوات للحرس في لبنان “كان يعلم” حقيقة وجود حجازي في لبنان والدور الذي يلعبه؟
ويتكرّر منذ فترة سقوط المزاعم التي كان يطلقها السيد نصرالله، من إعلان الرئيس السوري بشار الأسد أن “مزارع شبعا” سورية، وبالتالي إسقاط الحجة التي تذرّع بها حزب الله طويلاً لتبرير احتفاظه بسلاحه غير الشرعي، بعدما كان سبق الأسد إلى ذلك تساؤل من قبل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط حول “هوية” المزارع وما رافقها من حملات تخوين طاولته، إلى تفجير مرفأ بيروت ونفي حزب الله معرفته بالأسباب التي أدت إلى هذه الكارثة، ما أعاد طرح السؤال مجدداً حول من استقدم الكميات الكبيرة من نيترات الأمونيوم ومن خزّنها ولأي غاية استخدمت الكميات التي “سرقت” أو “هربت” من المرفأ، وهل من دور لعبه حجازي في هذا الموضوع “خلف ظهر” نصرالله؟
الصواريخ أم الإرهاب
حجازي الذي كان قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي قد عيّنه نائبا لقائد “فيلق القدس” في يناير 2020 وذلك عقب مقتل الفريق قاسم سليماني باقتراح من قائد فيلق القدس العميد إسماعيل قاآني، شارك في الحرب العراقية – الإيرانية في صفوف الحرس الثوري، وتسلم قيادة قوات التعبئة.
ولد حجازي في أصفهان عام 1956 وانخرط في النشاط السياسي مع شقيقه الأكبر أحمد. ووفقاً لمعهد “واشنطن للدراسات” عن حياته، تدرّب حجازي على حرب العصابات في معسكرات “منظمة التحرير الفلسطينية” في جنوب لبنان أواخر سبعينات القرن الماضي.
وقبل فترة وجيزة من استيلاء الخميني وأتباعه على الحكم في طهران، كان حجازي يعيش في غرفة بدمشق مع ستة إيرانيين آخرين، من ضمنهم زعيم الخلية وعضو حركة “مجاهدي خلق” محمد غرازي، زميله من أصفهان. بعد ذلك انضم إلى الحرس الثوري، ثم نُقل إلى مقاطعتي كردستان وأذربيجان الغربية لقمع المتمردين الكرد، قبل أن يكلف لاحقًا بمهمة حشد المتطوعين للقتال على الجبهة في الحرب ضد العراق. وكان قريباً من محمد علي رحماني الذي كان قائدًا لميليشيا “الباسيج” أو ما تعرف دوريات بـ”ثأر الله”. وتم تعيين حجازي رئيسًا لهيئة الأركان المشتركة للحرس الثوري بقرار من خامنئي في العام 2007.
في السنوات الأخيرة كان حجازي مسؤولا عن حرس الثورة في لبنان وقدم خبراته الكبيرة في خدمة المدافعين عن المراقد المقدسة ومساعدة جبهة محور المقاومة في مواجهة جماعة داعش الوهابية والإرهاب التكفيري.
إذَا كان الرجل وفقاً للمصادر الإيرانية “مسؤولا عن حرس الثورة في لبنان في السنوات الأخيرة”، ما يطرح سؤالاً حول طبيعة الدور الذي كان يلعبه “بعلم” أو “بغفلة” من نصرالله، وهل لهذا الدور علاقة بتطوير الصواريخ الدقيقة، المشروع الذي تؤكد إسرائيل نيتها منع استمراره لما يشكل من تهديد مباشر على أمنها؟
واستناداً إلى وسائل الإعلام العبري فإن الجيش الإسرائيلي كان يرصد حجازي لأنه كان يلعب دوراً رئيسياً في برنامج حزب الله للصواريخ الدقيقة، علاوة على الاشتباه بأنه كان مخطّط عملية تفجير مبنى الجمعية التعاضدية اليهودية الأرجنتينية الذي وقع في العاصمة بوينس آيرس في 18 يوليو 1994، وأسفر عن مقتل 85 شخصاً وإصابة المئات بجروح.
صحيفة يديعوت أحرونوت تقول إن حجازي كان قائداً لميليشيا “الباسيج” التابعة للحرس الثوري منذ 10 سنوات، ثم أصبح نائباً لقائد الحرس الثوري منذ اغتيال سليماني، وتنقل عن تقرير نشره الجيش الإسرائيلي في سنة 2019 أن حجازي كان مسؤول وحدة الحرس الثوري في لبنان، وكان يشرف على كل العمليات الإيرانية وبرنامج الصواريخ الدقيقة في حزب الله.
أما مجلس الاتحاد الأوروبي فكان قد أضاف اسم حجازي إلى قائمته السوداء منذ أكتوبر 2011 لأنه كان يلعب دوراً مركزياً في قمع الإحتجاجات التي أعقبت فوز أحمدي نجاد في انتخابات الرئاسة الإيرانية في العام 2009.
من ناحيتها شكّكت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية في الرواية الإيرانية عن وفاة حجازي بجلطة قلبية، فهي وصفته بأنه كان شخصية بارزة في الاستثمار الإيراني في شبكة الميليشيات ومشروع الصواريخ الموجهة لحزب الله اللبناني.
وأشارت الصحيفة إلى أنه عقب النعي الرسمي الإيراني لحجازي غرّد ابن قيادي بارز في فيلق القدس على تويتر مشككاً في هذه الرواية، في إشارة إلى احتمال أن يكون حجازي “ضحية” جديدة من الضحايا الذين تستهدفهم الولايات المتحدة وإسرائيل لتعطيل البرنامج النووي الإيراني.
وتزايدت الشكوك في الرواية الرسمية بسبب تصريحات متحدث باسم الحرس الثوري قال فيها إنه “مات بسبب مهام صعبة للغاية”، وأن حجازي أصيب بفايروس كورونا المستجد، ناهيك عن تعرضه للأسلحة الكيمياوية في الحرب العراقية – الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي.
واستناداً إلى الصحيفة، ففي حال ثبتت فرضية اغتيال حجازي فسيكون ثالث شخصية مهمة تتعرض للتصفية منذ مطلع 2020 عندما قتل قائد فيلق القدس سليماني بضربة أميركية في العراق، وتبعه بعد ذلك مقتل العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة.
وفيما كان مقتل سليماني بتنفيذ أميركي، قد يشير اغتيال زادة وحتى حجازي إلى إسرائيل، خاصةً أن اسميهما وردا في وثائق للجيش الإسرائيلي، فزادة يعتبر مهندس البرنامج النووي العسكري، وحجازي كان مسؤولاً عن برامج الصواريخ الدقيقة.
من يحكم لبنان؟
المزاعم التي كان يطلقها نصرالله يتكرر تهاويها، من إعلان الرئيس الأسد أن “مزارع شبعا” سورية وبالتالي إسقاط الحجة التي تذرّع بها حزب الله طويلاً لتبرير احتفاظه بسلاحه، إلى تفجير مرفأ بيروت ونفي حزب الله معرفته بالأسباب
عملياً فإن مجرّد وجود حجازي في لبنان بصفته مسؤولاً عن عمليات الحرس الثوري وبرنامج الصواريخ الدقيقة التي يصنّعها حزب الله، فإن ذلك يضيف كثيراً إلى الاعتراضات التي تواجه حزب الله من فريق كبير من اللبنانيين الذين يعتبرون أن لا ناقة لهم ولا جمل في هذه الحرب الإيرانية – الإسرائيلية – الأميركية وبالتالي تعريض لبنان إلى نتائج وخيمة لم يعد أبناؤه قادرين على تحملها في ظل الأوضاع الاقتصادية المزرية التي يعيشونها.
وقد عادت إلى الأذهان عقب تداول وسائل الإعلام اللبنانية خبر وفاة حجازي صورة التفجير الزلزالي الذي أصاب مرفأ بيروت وأوقع أكثر من 200 شهيد وخمسة آلاف جريح، ناهيك عن التدمير الهائل الذي أصاب الممتلكات القريبة من المرفأ، وراح البعض إلى رفع الصوت عالياً في وجه حزب الله مجددا محملين إياه مسؤولية هذا التفجير لتخزينه مواد حربية يستخدمها في بناء صواريخه الدقيقة أو حتى تخزينها لصالح حليفه نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
فالسؤال بصيغته الدقيقة، هل كان السيد حسن نصرالله يعلم حقيقة ما يجري في مرفأ بيروت أم أنه فعلاً ليس “مسؤولاً” عن العمليات العسكرية والأمنية التي يبدو أن من يديرها وفقاً للرواية الإيرانية عن وفاة حجازي هم مسؤولو الحرس الثوري في لبنان؟ أسئلة أصبح اللبنانيون بحاجة ماسة لإجابات صريحة عنها.
Social Links: