أنـور الـبـنــي
تعاني المرأة السورية -أساسًا- من عنف يمارس عليها، إن كان من الرجل أو من المجتمع، عنف جسدي وجنسي يمارس من الرجل، وعنف بالحرمان من بعض الحقوق في قوانين الأحوال الشخصية، وقانون العقوبات، إضافة إلى حرمانها من الحماية القانونية والمجتمعية في حال تعرضها للعنف؛ ما يؤدي إلى سكوتها، وعدم التصريح عن العنف الممارس ضدها .
ومع أن دورًا رئيسًا وأساسيًا كان للمرأة السورية في اندلاع التظاهرات والاحتجاجات السلمية التي ابتدأت بها الثورة السورية؛ للمطالبة بدولة المواطنة والحقوق المتساوية، وكانت مشاركة كاملة للرجل في تنظيم وقيادة والانخراط في هذه التظاهرات؛ لأنها كانت تعبر عن رفضها لواقعها، كتابع في المجتمع، إلا أن دورها بدأ بالتراجع بعد تحول الاحتجاجات والتظاهرات السلمية إلى عمل مسلح؛ نتيجة القوة الغاشمة والقاتلة التي استخدمها النظام؛ لسحق هذه الاحتجاجات، وتحول دور المرأة السورية إلى دور الدعم والإغاثة، بدلًا من دور المشاركة المتساوية .
ولكن للعنف ضد النساء رواية أخرى، وطريقة أخرى، ووجعًا أكبر، عندما نتكلم عن المعتقلات،النساء في المعتقل وجعهن مضاعف، وألمهن مزدوج، ألم الاعتقال نفسه، وألم القلق على الأولاد والزوج، ورد فعل المجتمع، وألم التعذيب الشديد الذي يركز على انتهاك كل خصوصية المرأة، ابتداءً بتعرية المعتقلات ووضعهن أمام الجميع، ومرورًا بكل أشكال التحرش الجنسي؛ وصولًا إلى الاغتصاب .
وليس ذلك، فحسب، لأن اعتقال المرأة معتقلة لسبب يتعلق بها أو لما قامت به فحسب، بل يمكن أن تكون المرأة معتقلة؛ لتعذيب الرجل (زوجها أو أبيها أو شقيقها) والنيل منه، فيكون وجودها والتحرش بها واغتصابها -علنًا- تعذيب لها أولًا، بدون سبب، ومن أجل تعذيب المعتقلين الآخرين؛ فتتحمل عذابًا مضاعفًا .
قصص المعتقلات السوريات في سجون النظام أفظع من أن يتخيلها عقل بشري، أو يمكن أن تروى بكل بساطة. معظم الاعتقالات للنساء في سورية، كانت بسبب قيامهن بالإغاثة، وتقديم العون الطبي أو الغذاء، أو حتى التعليم للمناطق الخارجة عن سيطرة النظام .
أذكر أن امرأة أحيلت لمحكمة الإرهاب بتهمة تمويل العمليات الإرهابية، وكانت التهمة مبنية على قيام هذه المعتقلة بـ “الطبخ لعناصر الجيش الحر”، وهي تطبخ حقيقة لأولادها الأربعة، وامرأة معتقلة بسبب إدخالها ربطات خبر إلى المناطق التي يحاصرها النظام، وامرأة كانت تدخل مواد طبية لمعالجة الجرحى، وامرأة كانت تعلم الأطفال الرسم، وامرأة يعمل زوجها في الأمن، ويريد التخلص منها؛ فاتهمها بتمويل الإرهاب .
أعرف شخصيًا أكثر من حالة خرجت من المعتقل وهي حامل بسبب الاغتصاب الذي تعرضت له في المعتقل، وكثيرات تعرضن للاغتصاب من أكثر من شخص، ولأكثر من مرة، هذا عندما نتحدث عن مراكز الاعتقال الأمنية فحسب، وهناك قصص كثيرة لا تروى، تحدث في مراكز اعتقال المجموعات غير الأمنية، كالشبيحة وعلى الحواجز، وعصابات الدفاع المدني، وغيرها من أنواع العصابات التي تحكم البلد؛ علاوة على المناطق التي تحت سيطرة مجموعات اسلامية تعد المرأة عورة يجب استئصالها أو إخفاؤها .
المرأة السورية كانت -أساسًا- صاحبة المصلحة الأولى في الثورة في سورية، وكانت تأمل أن تحقق حريتها من كل أشكال الاستبداد بحقها من السلطة السياسية، ومن السلطة الذكورية. ولكن ماجرى أنها من دفعت الثمن الأكبر والأغلى لهذه الثورة، ومع ذلك؛ فإنها مازالت المؤمنة والمثابرة والمتمسكة الأقوى بقيم الثورة السورية التي انطلقت بها. يكفي أن نورد بعض الأرقام؛ لندرك حجم ما تحملته المرأة السورية، فعدد المعتقلات في السجون السورية يزيد عن خمسة آلاف امرأة، يوجد في سجن عدرا للنساء أكثر من 600 معتقلة، محالة إلى محكمة الإرهاب، بعضهن موقوف منذ أكثر من ثلاث سنوات .
ولعل طل الملوحي التي ستدخل سنتها الثامنة في السجن، على الرغم من انتهاء فترة حكمها، أقدمهن، ولن ننسى زميلتنا المحامية، رزان زيتونة، التي أسست مركز توثيق الانتهاكات، وسميرة الخليل اللتان اختطفتا منذ أربع سنوات من “جيش الإسلام”، وهناك 26 طفلًا مع أمهاتهم المعتقلات موجودين في السجن، 15 طفلًا منهم ولدوا في السجن .
اليوم العالمي للعنف ضد المرأة يؤجج فينا ألما مضاعفًا، ألم العنف الهائل وغير المسبوق الذي يمارس في سورية تجاه كل الشعب السوري، والدمار الذي يلحق بسورية وشعبها؛ نتيجة هذا العنف، وخصوصا المرأة التي تتحمل العبء الأكبر من هذا العنف، بجميع أشكاله، ومن كل الأطراف .
وثانيًا ألم الإحباط، وفقدان الأمل من المجتمع الدولي وهيئاته الرسمية، الممثلة بالأمم المتحدة، التي حددت يوم 25 تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام، يومًا لمناهضة العنف ضد المرأة، ولكنها لم تفعل أي شيء، حقيقةً؛ لجعل هذا اليوم، أو هذا الشعار الذي تتبناه، يحمل أي قيمة فعلية، أو تأثيرًا حقيقيًا على الأرض .
إن الأمم المتحدة التي تتجاهل ألم ومعاناة المرأة السورية، دون أن تقوم بأي فعل لوقف هذه المعاناة، ترتكب عنفًا إضافيًا بحق المرأة السورية حين تمر ذكرى مناهضة العنف ضد المرأة، والمرأة السورية تعاني كل هذا العنف أمام نظر وسمع العالم قاطبة .
Social Links: