عندما تقوم الثورة لإحداث التغيير الوطني على صعيد السلطة والجماعات والأفراد، فهذا يتطلب أن تكون ثورة معرفة وثقافة وتنوير بهدف تفكيك منظومة الاستبداد في المجتمع، وتجاوز واقع التخلف والتأخر والفوات، والثورة التي لا تضع هذه المهام في صلب تفكير وبرامج عملها، لن تستطيع إنجاز الأهداف التي قامت لأجل تحقيقها، ولذلك كانت مشكلة الثورات في الربيع العربي وفي سورية على وجه الخصوص، أن القوى والنخب السياسية والمثقفة التي تصدرت لقيادتها، لم تحمل مشروعاً جدياً للتغيير الوطني يقوم على حوامل معرفية وثقافية، بقدر ما كانت تعيد انتاج علاقات السلطة وادواتها باسم الثورة، ليس فقط لأن تلك القوى احتكرت مشروع الثورة وقوّلبته لحسابات إيديولوجية وفئوية وشخصية، وأيضاً لأنها وقفت عائقاً أمام منطق الإصلاح من داخل الثورة، وعجزت بحكم بناها التقليدية عن اطلاق دينامية مجتمعية تحمل وعياً جديداً لمفهوم الوطنية والدولة الحديثة، والخروج من مأزق الثورة يبدأ أولاً من الإقرار بفشل مشروعها في مآلاته الراهنة، ومراجعة اسباب وعوامل الفشل على الصعيدين الذاتي والموضوعي، وهذا واجب وطني وإنساني لمواصلة عملية التغيير التي شقت الثورة خطواتها الأولى، وليس للتخلي عن ضرورتها التاريخية في مجتمعات قتلها ودمرها الاستبداد والانحطاط، وليس أمام شعوبنا لخلاصها الحقيقي من كل أشكال التسلط والظلم والطغيان، إلا إطلاق ألف ثورة وثورة معرفية وثقافية، لبناء عقل متحرر من الغيبيات والجهل، وبناء مجتمع متحرر من الهويات القاتلة، وبناء دولة تقوم على عقد اجتماعي، يحقق المواطنة تحت سقف الحريات والقانون.. ليس هناك من مشروع آخر يجعلنا شعوب وأوطان جديرة بالحياة، دون وعي معنى الثورة وشروط انتصارها..
Social Links: