دور المسيحية المشرقية في حضارة العرب – ادوار حشوة 1-3

دور المسيحية المشرقية في حضارة العرب – ادوار حشوة 1-3

تنشر الرافد فيما يلي الجزء الأول من المقال الهام للأستاذ المحامي ادوار حشوة حول دور المسيحية المشرقية في الحضارة العربية 

دور المسيحية المشرقية في الحضارة العربية ، موضوع كان دائماً محل اهتمامي ، وأسئلة كثيرة طرحها علي هذا الدور .

لماذا بقي الوجود المسيحي في هذا الشرق طيلة أربعة عشر قرناً في محيط عربي إسلامي واسع؟

لماذا كان هذا الوجود عامل تطور وتنمية وإشراق في الحياة العربية في حين كان يفترض الآخرون العكس ؟

هل ساعد هذا الدور الإيجابي في تراجع الفروق وفي خلق مساحات أكبر من التسامح وفي نبذ التعصب ؟

وهل يمكن توظيف هذا الدور لصالح المشروع القومي العربي الآن ؟

ثم ما هو مستقبل هذا الدور في ظروف تنامي التيارات الدينية المعاصرة ؟

في هذه الأمسية سنحاول عبر السرد التاريخي ، الرد على هذه الأسئلة . ليس من باب عقدة الأقليات ، بل انطلاقاً من وحدة الوجود القومي … ومن هذا الموقع أخذت حقي في النقاش .

أريد من هذه المحاضرة انتماءاً عربياً أقوى ، ومحبة أكثر ، وتعصباً أقل ، وعساي أوفق .

المسيحية كما تعلمون دين سبق الإسلام في الظهور وانتشر من فلسطين إلى كل العالم وصار الديانة الرسمية للامبراطورية البيزنطية .

في الفترة ما بين ( 325 م – 451 م ) حدثت انقسامات في كنيسة المسيح الأولى وساهم في هذه الانقسامات اليهود من جهة ودول المنطقة وصراعاتها من جهة أخرى ، ومن ثم صراعات رجال الدين المسيحي فيما بينهم .

في تلك الفترة من الانقسامات المتصاعدة جاء الإسلام عام ( 611 م ) منطلقاً من ( مكة ) .

هذه الحركة الروحية الجديدة لم تأت من فراغ صحراوي كما يخيل للبعض ، فالجزيرة العربية عرفت مختلف أنواع الأديان . عرفت عبادة الشمس والقمر والكواكب والقوة الخفية ـ وعرفت عبادة الأوثان في منطقة مكة حول الحجر الأسود. وهذا الحجر تقول الأساطير أنه من أصل سماوي ، ويرى يول ديورانت في قصة الحضارة أنه ربما كان بقايا نيزك هبط من السماء. والعرب أنفسهم كانوا ينظرون إليه كعلامة وحدة بين قبائل تنتمي إلى جنس عربي، أكثر مما هو شيء مقدس.

الكعبة كانت موجودة قرب بئر زمزم منذ عام ( 1877 ق.م ) وكان فيها آلهة وثنية وهي :

اللات ( آلهة السماء ) ، والعزى ( الآلهة عشتار ) ، ومناة ( آلهة السعادة )، وود ( إله الحب ) .

كما يوجد فيها خمسة آلهة من الصديقين الذين آمنوا برسالة سيدنا نوح ، وإلهان هما : الجت والطاغوت .

وكان من عادة القبائل أن تضع أصنامها الخاصة بها في الكعبة إلى درجة أن عددها بلغ عدد أيام السنة . وكان ملفتاً للنظر وجود إله فوق كل الآلهة هو الإله هبل … بالإضافة إلى هذه الأوثان كان يوجد اليهود في يثرب ( المدينة ) وكان يوجد مسيحيون .

المسيحيون في الجزيرة العربية :

جاءت المسيحية إلى الجزيرة العربية متأخرة وخاصة بعد الانقسامات المسيحية. وكانت المسيحية قليلة التأثير لأنها لم تقدم للعرب صيغة من التوحيد تناسب ذهنيتهم الخاصة. كان التثليث صعب الفهم عليهم، في حين كانت صيغة الرب الواحد تناسبهم أكثر في مجتمع يقوم على رئيس عشيرة واحد ورئيس قبيلة واحدة. ومن المنطقي أن يكون أقرب إلى مفهوم الرب الواحد. وكانت المسيحية أيضاً تحمل معها أفكار الانقسامات التي انتشرت فيما بين النهرين وفي بلاد الشام، الأمر الذي أضعف وجودها في الجزيرة العربية.

ـ في الحجاز : كانت العقبة نصرانية وحضر أسقفها مجمع نيقية عام ( 325 م) وكانت تسمى (آيلة) .

ـ دومة الجندل: كانت مسيحية وحاكمها أكيدر بن عبد الملك، وكان سكانها من قبيلة (قضاعة) ومن تجمع قبيلة ( كلب).

ـ وادي القرى : سكنته قبائل مسيحية من قضاعة وسليح وحتى الآن يوجد قبيلة (صخر) وتحمل عشائرها بعض الأسماء المسيحية حتى بعد إسلامها (بنو مطران، اليعاقبة، المهابدة، الأحبار، السماعنة).

ويقول الشاعر :

فريقان : رهبان بأسفل ذي القرى         وبالشام عرافون ممن تنصرا

ـ في تيماء :

كانت قبيلة طي النصرانية ومنها حاتم طي المشهور في التاريخ العربي بالكرم . وكان في تيماء حصن ( الأبلق ) الذي كان يسكن فيه الشاعر السمؤل والذي كان نصرانياً من فئة مسيحية تطبق الناموس اليهودي وتعتبر المسيحية امتداداً لليهودية.

 

ـ في تبوك :

كانت قبيلة قضاعة مع بني كلب من تغلب، ويذكر التاريخ أن المسلمين حاصروها عشرين يوماً فلم تسقط فغادروها .

 

ـ في يثرب وخيبر وفدك :

كان يوجد في المنطقة مطران وثلاث كنائس ، ولكن هذه المنطقة كانت شبه مستعمرة يهودية. وكان فيها الأوس والخزرج، القبيلتان القادمتان من اليمن بعد انهيار سد مأرب، وهاتان القبيلتان ناصرتا الرسول في حروبه ضد المشركين.

 

ـ في مكة :

كانت توجد قبائل مسيحية ترتاد مكة كمركز تجاري، وكانت هذه القبائل تحترم المقام ، حتى أن ( عدي بن زيد الأعشى ) كان يقسم أمام الحجر الأسود بالصليب وبرب مكة معاً !

الظاهرة البارزة في الوجود المسيحي في مكة أنه كان عبارة عن عدد من الأفراد، ولم تكن توجد في مكة مؤسسات مسيحية ، وكان هؤلاء يتكلمون اللغة العربية أو لغة خليطاً منها ومن الآرامية وبعضهم كان من الأقباط والأحباش .

وكان هذا الوجود منتشراً في علية القوم وليس بين عامتهم ( عثمان بن حويرث، وورقة بن نوفل عم السيدة خديجة زوجة الرسول محمد ) .

 

ـ في البحرين وقطر وعمان :

كان يوجد مسيحيون متأثرون بالمذهب النسطوري ويتبعون كنائس ما بين النهرين وكان فيها ست أبرشيات على الساحل الشرقي، وحاكم عمان الذي تلقى الدعوى للإسلام كان نصرانياً، وكان في الجنوب الشرقي للجزيرة وجود مسيحي ممثلاً بقبيلتي بني حنيفة، وفي نجد ( كندة ) ومنها امرؤ القيس .

يقول ابن قتيبة : (( المسيحية انتشرت في ربيعة وغسان )) .

ويقول اليعقوبي : (( إن تميم وربيعة تنصرتا وكذلك تغلب وطي ومذحج وبهراء وسليح وتنوخ ولخم )) .

ويقول الجاحظ : (( النصرانية وجدت سبيلها إلى تغلب وشيبان وعبد القيس وقضاعة وسليح والعباد وتنوخ ولخم وعاملة وجزام وكندة )) .

بعد الإسلام قال الإمام علي : (( إن المسيحيين في الجزيرة لا يعرفون من المسيحية شيئاً سوى أنها تسمح لهم بشرب الخمر )) .

وهو يقصد بذلك أن المسيحية الحجازية كانت سطحية، والحقيقة أنها برغم ذلك ساعدت مع اليهودية في معركة الإسلام ضد الوثنية.

ـ المسيحيون في اليمن :

دخلت المسيحية إلى اليمن عن طريق الأحباش . كانت اللغة الطقسية في الصلاة هي السريانية ، وكانوا في البداية أفراداً يفتقدون إلى كنيسة منظمة.

في نجران : كان المسيحيون من طبقة التجار الأغنياء وينتمون للمذهب النسطوري ويدفعون الجزية للملك الحميري، وقد دخلت المسيحية إلى نجران عن طريق تجار من فارس. لذلك كانت على المذهب النسطوري المنتشر هناك والمدعوم من الدولة. وحين قويت شوكة المسيحيين في نجران قام ذو نواس الحميري بقتل عشرين ألفاً منهم في معركة الأخدود عام ( 527 م) والتي ورد ذكرها في القرآن الكريم .

وحين احتل الفرس اليمن .. انتشر المذهب النسطوري ، وكان الناس يتكلمون العربية ، وفي الصلاة يستمعون إليها باللغة السريانية ولا يفهمون منها شيئاً .

وكان من أشهر رجالات اليمن النساطرة قس بن ساعدة الأيادي الذي بهر بفصاحته الرسول محمد حين استمع إليه يخطب في سوق عكاظ .

وكانت العرب تقول : قؤول مثلما قس . وذهب مثلاً .

  • Social Links:

Leave a Reply