دراسة المركز السوري لبحوث السياسات
المقدمة
عبر الحراك المجتمعي الذي انطلق في 2011، والذي نادى بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، عن الاختناق الكبير الذي وصل إليه المجتمع في مختلف جوانب التنمية المؤسساتية والاقتصادية والاجتماعية والذي عكس بدوره التناقض الحاد بين المؤسسات القائمة وما يصبو إليه المجتمع. ولعبت قوى التسلط المحلية المتمثلة في الاستبداد السياسي والعصبيات والتطرف وقوى التسلط الخارجية أيضًا، دورًا حاسمًا في عسكرة النزاع واستغلال العنف الدامي والاستثمار في تسييس الهوية واقتصاديات الحرب (المركز السوري لبحوث السياسات، 2016).
تعد الأزمة السورية واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية منذ الحرب العالمية الثانية من حيث كثافة القتال ونتائجه الكارثية على المستوى الإنساني والاجتماعيوالمادي.تجاوز النزاُع الست سنوات من دون التوصل إلى حلول إنسانية أو تسوية سياسية وشارك في استمراره وتسعيره العديد من الأطراف المحلية والإقليمية والعالمية، في حروب على جبهات متعددة اسُتخدم فيها كل أنواع الأسلحة بما فيها المحظور دوليًا وإنسانيًا. كما اتسم النزاع بانتهاكات متكررة لحقوق الإنسان من قتل وتعذيب ونهب واعتقال وترهيب وتهجير قسري ترافق مع تدمير وحصار للمدن من دون أي ضمانات لحق الحماية الإنسانية. من أخطر ما شهده النزاع على المستوى الاجتماعي هو النزاع على الهوية والتحريض على قتل واستباحة الآخر مما طغى على الأهداف النبيلة في الحرية والكرامة والعدالة لتسود ثقافة عبثية تخدم استمرار القتال وسط تشظ حاد بين القوى المتنازعة.
ساهمت المأساة السورية والعنف المستشري في البلاد إلى تحول مؤسساتي مدمر قادته قوى التسلط المتصارعة، وأنتج مؤسسات جديدة تعمل في خدمة اقتصاديات العنف المحلية منها والعابرة للحدود والتي زادت من معاناة السوريين وجّيرت الموارد والسلطة لصالح أمراء الحرب. كما أسفرت المواجهات المسلحة في سوريا إلى قتل وجرح مئات الآلاف من الأشخاص أطفالا ونساء وشباب وكبار السن، إضافة إلى الملايين من النازحين والمهجرين وتعرض الآلاف للاعتقال والخطف والتعذيب، وفقدت الأسر السورية معيليها ومنتجيها ولا سيما الشباب، ووصلت البلاد إلى أدنى حدود الأمان والحياة المعيشية اللائقة.
وأدت المعدلات المرتفعة من النزوح واللجوء والهجرة إلى تغيرات في بنية المجتمع والأسر وتفكك في العلاقات والروابط المجتمعية، ترافق ذلك مع فقدان القدرات وامتهان الكرامة والرزوح تحت هاجس الفاقة والفقر وخطر يتهدد الحياة مما أدى إلى انهيار الثقة المجتمعية والشعور بالأمان. كما فقد النازحون واللاجئون ممتلكاتهم ومواردهم ومصدر أرزاقهم ولم يتمكن بعضهم من حمل أوراقهم الثبوتية والشخصية. وُحرم معظم اللاجئين من ظروف الحياة اللائقة، واعتمدوا بشكل كبير على المساعدات الإنسانية الدولية والمحلية، ما ترك آثاره النفسية والاجتماعية عليهم وعلى علاقتهم بالمجتمع المضيف، لقد ساهم كل ذلك في تشكل مجتمعات وعلاقات اجتماعية وقيم “جديدة” (المركز السوري لبحوث السياسات، 2016).
تعرض رأس المال الاجتماعي من جراء ذلك لتدهور كبير، تجلى في تفكك الروابط والشبكات الاجتماعية نتيجة للاستقطاب الحاد وانتشار شتى أنواع العصبيات الدينية والمذهبية والقومية والعرقية والأيدلوجية، كما تراجعت الثقة المجتمعية إلى مستويات متدنية في مختلف مضامينها سواء على مستوى الثقة بين الأفراد أو مستوى الشعور بالأمان نتيجة مظاهر الخطف والاعتقال والاختفاء القسري وتفشي الجريمة من سرقة وقتل ونهب واستغلال الأطفال والنساء وتصاعد الأعمال القتالية، أو على مستوى الثقة بالمؤسسات. وانعكس ذلك على الخلاف الكبير بين الأفراد والجماعات على القيم والتفاهمات المشتركة والرؤى المستقبلية على المستويين المحلي والوطني والذي ترافق بترٍّد في مكانة المرأة ومشاركتها في الحياة الاجتماعية مقارنة بالفترة التي سبقت الأزمة. ترافق ذلك مع تدهور حاد في رأس المال البشري على مستويات الصحة التعليم والتأهيل وبناء القدرات، وتراجع في مستوى المعيشة، الذي تأثر بتصاعد العنف وشيوع الفوضى وتضاعف الأسعار، خلال سنوات النزاع الطويلة.
أهداف ومجال البحث
يسعى البحث إلى تشخيص أثر النزاع المسلح في العلاقات الاجتماعية في ظل الآثار المدمرة التي أدت إلى إعادة تشكل التجمعات السكانية المحلية مكانيًا واقتصاديًا واجتماعيًا داخل سوريا وخارجها. وفي هذا المجال تم اختيار مفهوم رأس المال الاجتماعي مدخ ًلا لتحليل الجوانب المختلفة المتعلقة بالعلاقات الاجتماعية كالثقة والتعاون والقيم المشتركة.
وتأتي أهمية هذا البحث من مناقشته النقدية لمفهوم رأس المال الاجتماعي ومحاولة تطوير دليل لقياسه، والاستناد إلى مسح ميداني يتضمن مؤشرات كمية ونوعية لتحليل رأس المال الاجتماعي قبل الأزمة وفي أثنائها، للوصول إلى فهم معمق لأثر الأزمة عليه، الأمر الذي يتطلب تحديد دليل لرأس المال الاجتماعي يقيس التغيرات عبر الزمن والتفاوت الجغرافي بين المناطق المختلفة، وتفصيل مكوناته لكي يتم تشخيص الاختلالات والإيجابيات الاجتماعية التي نشأت نتيجة الأزمة. إن تحليل المؤشر المركب لرأس المال الاجتماعي يزود صانعي السياسات والمختصين والفاعلين الأساسيين والرأي العام بصورة أولية ومكثفة عن الحالة الاجتماعية في ظل العنف المسلح.
في هذا السياق يقوم البحث بتقديم تعريف إجرائي لرأسالمالالاجتماعيبناًءعلىالمراجعةالنقدية للأدبيات، وتعريف كل مكون من مكوناته في السياق السوري. كما يقدم دراسة تفصيلية للمكونات الفرعية لدليل رأس المال الاجتماعي ومنهجية بنائها واختيار المؤشرات التفصيلية. ويركز البحث على دراسة محددات رأس المال الاجتماعي باستخدام النماذج القياسية، والأهمية النسبية لكل منهذهالمحدداتفيظلالعنفالمسلح.وأخيرًا يقدم البحث مجموعة من التوصيات والبدائل المبنية على نتائج التحليل لتجاوز أثر الأزمة على رأس المال الاجتماعي.
إن النتائج التي وصل إليها البحث تعكس الإشكالية الكبيرة في فهم رأس المال الاجتماعي وأبعاده وعلاقته بالمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وهي تمثل نقطة البداية نحو المزيد من التعمق في دراسة رأس المال الاجتماعي وترابطاته في سوريا ودوره المحوري أثناء النزاع وما بعده في الكثير من القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية لأهميته الحاسمة في فهم كيفية رأب التصدعات الإنسانية الكبيرة التي لحقت بالمجتمع السوري وفي تطوير الأدوات اللازمة لبناء التضامن المجتمعي بين السوريين في الداخل والخارج والمشاركة في بناء عقد اجتماعي جديد يضمن استقرار المجتمع والدولة.
يقدم الفصل الأول من البحث إشكالية مفهوم رأس المال الاجتماعي والمدارس المختلفة التي اهتمت بتعريفه ومراجعة لأهم الأدبيات والدراسات التي حاولت قياسه. ويتابع الفصل نفسه تأطير مجال البحث وشرح المنهجية التي عمل بها للوصول إلى تعريف إجرائي يتناسب مع الحالة السورية الخاصة ويسهل عملية قياس لرأس المال الاجتماعي على الرغم من إشكاليات القياس التي تناولتها الكثير من الأدبيات في هذا المجال. يركز الفصل الثاني على تحليل نتائج المسح وشرح تفصيلي للمؤشرات
تعرض رأس المال الاجتماعي من جراء ذلك لتدهور كبير، تجلى في تفكك الروابط والشبكات الاجتماعية نتيجة للاستقطاب الحاد وانتشار شتى أنواع العصبيات الدينية والمذهبية والقومية والعرقية والأيدلوجية، كما تراجعت الثقة المجتمعية إلى مستويات متدنية في مختلف مضامينها سواء على مستوىالثقةبينالأفرادأومستوىالشعور بالأمان نتيجة مظاهر الخطف والاعتقال والاختفاء القسري وتفشي الجريمة من سرقة وقتل ونهب واستغلال الأطفال والنساء وتصاعد الأعمال القتالية، أو على مستوى الثقة بالمؤسسات. وانعكس ذلك على الخلاف الكبير بين الأفراد والجماعات على القيم والتفاهمات المشتركة والرؤى المستقبلية على المستويين المحلي والوطني والذي ترافق بترٍّد في مكانة المرأة ومشاركتها في الحياة الاجتماعية مقارنة بالفترة التي سبقت الأزمة. ترافق ذلك مع تدهور حاد في رأس المال البشري على مستويات الصحة التعليم والتأهيل وبناء القدرات، وتراجع في مستوى المعيشة، الذي تأثر بتصاعد العنف وشيوع الفوضى
وتضاعف الأسعار، خلال سنوات النزاع الطويلة.
أهداف ومجال البحث
يسعى البحث إلى تشخيص أثر النزاع المسلح في العلاقات الاجتماعية في ظل الآثار المدمرة التي أدت إلى إعادة تشكل التجمعات السكانية المحلية مكانيًا واقتصاديًا واجتماعيًا داخل سوريا وخارجها. وفي هذا المجال تم اختيار مفهوم رأس المال الاجتماعي مدخ ًلا لتحليل الجوانب المختلفة المتعلقة بالعلاقات الاجتماعية كالثقة والتعاون
والقيم المشتركة.
وتأتي أهمية هذا البحث من مناقشته النقدية لمفهوم رأس المال الاجتماعي ومحاولة تطوير دليل لقياسه، والاستناد إلى مسح ميداني يتضمن مؤشرات كمية ونوعية لتحليل رأس المال الاجتماعي قبل الأزمة وفي أثنائها، للوصول إلى فهم معمق لأثر الأزمة عليه، الأمر الذي يتطلب تحديد دليل لرأس المال الاجتماعي يقيس التغيرات عبر الزمن والتفاوت الجغرافي بين المناطق المختلفة، وتفصيل مكوناته لكي يتم تشخيص الاختلالات والإيجابيات الاجتماعية التي نشأت نتيجة الأزمة. إن
الجزئية ودليل رأس المال الاجتماعي، بينما يتناول الفصل الثالث قراءة في محددات رأس المال الاجتماعي المرتبطة بالحالة الاقتصادية والمؤسسية وظروف المعيشة والعنف. وأخيرًا يعرض الفصل الأخير أهم النتائج والاستنتاجات التي توصل إليها البحث ويقدم مجموعة من التوصيات والبدائل التي يمكن أن تعزز رأس المال الاجتماعي بما يخدم عملية الخروج من النزاع والنهوض بالمجتمع من تداعيات
هذه الكارثة الإنسانية التي لحقت بسوريا.
محددات البحث
تم تنفيذ هذا البحث في ظروف النزاع المسلح الذي يؤدي إلى مناخ من الخوف والقلق والاستقطاب والنزوح وعدم الاستقرار مما يؤثر بشكل كبير في إمكانية التحقق من دقة البيانات والمسوح المنفذة ومصداقيتها، وبالرغم من الجهد الكبير الذي بذل في تصميم المسح وتنفيذه، إضافة إلى الطرق المختلفة المبتكرة للتحقق، إلا أن التعامل مع النتائج بحذر وفق محددات البحث هو قضية في غاية
الأهمية والتي يوصي بها فريق البحث.
إن إشكالية المفهوم المتعلق برأس المال الاجتماعي واستخدامه بطرق مختلفة تطلب من فريق البحث تطوير تعريف إجرائي للمفهوم وللمكونات تختص بهذا البحث ولا تشمل بالضرورة كل الجوانب الاجتماعية الناجمة عن النزاع المسلح.
وتعتبر محاولة بناء أدلة لقياس المؤشرات النوعية والكميةوتنميطهالظواهرتنمويةمختلفةقضيًة مثار جدل، قد تواجه تحفظات تتعلق بالتثقيل والمبالغة بالتبسيط لظواهر معقدة والتحيز في اختيار المؤشرات المكونة للدليل. لكن فريق العمل أكد على أهمية مزايا الأدلة ومنها قابليتها للتفكيك حسب المكونات وحسب المناطق، وتسليطها الضوء على الاختلالات ذات الأولوية، واستخدامها الأداة نفسها لقياس الظواهر الاجتماعية في جميع مناطق سوريا، واستخدام اختبارات الحساسية. كما أن الدليل يساعد في فهم العلاقة بين الظواهر الاجتماعية والمحددات الاقتصادية والصحية
والتعليمية والديمغرافية والمؤسسية. أما المسح الميداني، ونظرًا لعدم القدرة على
القيام بمسوح على مستوى الأسر في ظل التشتت السكاني والظروف الأمنية، فقد تم تنفيذ المسح من خلال ثلاثة أشخاص مفتاحيين بمواصفات محددة من كل منطقة مدروسة ليصل العدد الإجمالي إلى حوالى 2100 شخص مفتاحي في جميع مناطق سوريا. وبالرغم من مقاطعة نتائج الأشخاص المفتاحيين الثلاثة على مستوى المنطقة يبقى هناك إمكانيات للتحيز في التعبير عن طبيعة العلاقات الاجتماعية بين سكان المنطقة. كما أن السؤال عن فترة ما قبل الأزمة قد يحمل تحيزًا مرتبطًا بفظاعات الحرب وبالتالي المبالغة في إيجابيات الماضي إضافة إلى إمكانية نسيان الأوضاع
قبل فترة زمنية معينة.
وإذ ُن ّفذ المسح عام 2014، وفي ظل استمرار النزاع لغايةإعدادهذاالبحث،فإنتغيراتكبيرةوكارثية غابت عن التحليل، لكن البحث يشكل أرضية للقيام بدارسة مماثلة للمقارنة بين 2014 والعام الحالي 2017 على سبيل المثال وفهم الديناميكيات خلال
هذه الفترة.
وتجدر الإشارة إلى أن التحليل على المستوى الوطني أو المحلي لا يغني عن دراسات الحالة التفصيلية لكل منطقة حسب أهمية وأولوية البحث أو الظاهرة. كما أنه لا يغني عن دراسات إحصائية على مستوى الأفراد والأسر باستخدام العينات الإحصائية العشوائية، وهي الخطوة القادمة من البحث الحالي حيث سيتم التركيز على مناطق معينة
لإجراء دراسات حالة.
Social Links: