في اليوم الثاني حضر الاستاذ صلاح الدين البيطار لإلقاء محاضرته فقدم رؤيته لتجربة الوحدة وفشلها، لتلاحقه وبشكل عنيف غير متوقع (مما كان كافيا للاستنتاج بهيمنة الإتجاه الناصري، بل تحديدا، المخابراتي، على المشاركين) التساؤلات والاتهامات الحادة بتحميله وأمثاله، وبالاخص البعثيين، المسؤولية عن فشل الوحدة بعداخراجهم من السلطة في دولة الجمهورية العربية المتحدة ، ونشوء حالة العداء بينهم وبين عبد الناصر والنظام الناصري، وصولا إلى وقوع الانفصال وتوقيعهم ( ميشيل عفلق وصلاح البيطار) على بيان الضباط الذين قادوا الانفصال، وهكذا تصاعدت اصوات الاتهام إلى درة أن الاستاذ صلاح البيطار لم يستطع متابعة محاضرته فجمع أوراقه ومشى خارجا من الاجتماع والأصوات تلاحقه!
ومن الجدير بالذكر أن الأستاذين ميشيل عفلق وصلاح البيطار قد أعلنا لاحقا سحب توقيعهم ا على بيان الانفصال والعودة إلى معسكر المطالبين بالوحدة ، ولكن “على أسس مدروسة”, وبقي الاستاذ أكرم الحوراني متمسكا بالانفصال وصار حزبه أحد ركائزه (الى جانب الحزب الشيوعي والإخوان المسلمين) بعد انشقاقه عن حزب البعث الذي كان حزبه (الاشتراكي) قد اتحد معه في الخمسينات ليشكلا معا “حزب البعث العربي الاشتراكي.”
وكما هو معلوم، فان أكرم الحوراني وحزبه عارضوا “ثورة” ٨ ٱذار عام ١٩٦٣ التي قام البعثيون والناصريون فيها بإنهاء حكم الانفصال المضطرب جدا الذي فشل خلال سنة ونصف في إقامة نظام يستطيع اكتساب ثقة أغلبية الشعب السوري ، مما سهل إسقاطه ، ولكن لتتلاحق بعد ذلك الانقلابات السلطوية التي بدأت بتصفية وإخراج الناصريين من السلطة في انقلاب دموي في ١٧ تموز ١٩٦٣ مع محاولة الناصريين الإسراع بالاستفراد بالسلطة أثر تخوفهم من زحف البعثيين الواضح للاستفراد بها، وبالتالي، والفشل المشترك في إقامة سلطة مشتركة بعثية ناصرية . فالناصريون متعجلون للالتحاق بجمال عبد الناصر والاستقواء به ، والبعثيون خائفون من الوقوع في نفس المطب الذي وقعوا فيه عام ١٩٥٨ عندما ضحوا بانفسهم وبحزبهم في سبيل الوحدة، ولتتوالى بعد ذلك التصفيات فيما بين البعثيين، حتى وقعت حركة ٢٣ شباط ١٩٦٦، عندما تشكلت قيادة قطرية (يسارية !) اخرجت القيادة البعثية التاريخية (اليمينية !!!) من السلطة الى السجن، حتى وقعت هزيمة الخامس من حزيران عام ١٩٦٧، فاخرجوا من السجن وقد قال لهم أحد قادة ٢٣ شباط الدكتور نور الدين الأتاسي رئيس الدولة: أن السلطة المسؤولة عن هزيمة الخامس من حزيران لايحق لها أن تسجن خصومها! وبعد عودة البعثيين إلى السلطة في العراق في ١٨ تموز عام ١٩٦٨ بقيادة أحمد حسن البكر (الذي مالبث صدام حسين أن جرده من السلطات حتى أخرجه كليا و فرض نفسه الدكتاتور الأوحد عام ١٩٧٦) ذهبت ” (القيادة البعثية التاريخية) الى العراق , ليصبح هناك في النهاية بعد عمر طويل اسم الاستاذ ميشيل عفلق “القائد المؤسس” (محمد ميشيل عفلق)! وكأن اسمه السابق لم يعد “لائقا ” بقائد تاريخي مؤسس لحزب البعث العربي القومي الثوري التقدمي الاشتراكي الحاكم في العراق!
ونتساءل اليوم لماذا لا يتفهم البعض , وربما الكثيرون، الأسباب التي قادت إلى مانحن فيه الآن؟
أما في سورية فقد بدأ أحد أعضاء قيادة ٢٣ شباط -حافظ الاسد- بالزحف الهاديء المدروس على السلطة بدءا من ١٩٦٨ عندما أحس بأن قيادة الحزب تعمد إلى تغيير المواقع لأعضائها لتحصين الحزب من هيمنة العسكر، حينها قام من طرفه بتحويل القيادة الحزبية بكاملها إلى “فرقة موظفين إداريين” باحتكاره للسلطة العسكرية والامنية، حتى اعلن انقلابه الرسمي الكامل والحجر على معظم رفاقه في السجن “إلى الابد” عندما بدا، بالمقابل، ممارسة سلطته “إلى الابد” في ١٦ ت١ عام ١٩٧٠.
Social Links: