حبيب حداد
تشهد المأساة السورية هذه الأيام أخطر الفصول التي عرفتها حتى الآن .
ويتمثل ذلك باشتداد وحشية وشراسة الحرب الأهلية الدائرة في مدينة حلب واستمرار الحصار الخانق لها الذي يهدد حياة الملايين من ابنائها ,والمترافق بالقصف العشوائي المدمر الذي يهد د باستكمال تخريب وتعطيل كل مرافق الخدمات العمومية ومستلزمات الحياة اليومية الضرورية في هذه المدينة المنكوبة . ففي كل يوم تسقط عشرات الضحايا من ابناء شعبنا الأبرياء نساء ورجالا ,شيبا وشبابا واطفالا , عمالا وموظفين وطلاب المدارس والكليات الجامعية الذين لا ذنب لهم الا تمسكهم بتراب وطنهم وصمودهم في مواجهة تبعات هذه الحرب العبثية المجنونة وادانتهم للجرائم ضد الانسانية التي ترتكب بحقهم نتيجة استمرار هذا الصراع الدامي من قبل الطرفين المتحاربين كليهما , وهما نظام الاستبداد الشمولي وحلفائه وقوى الإرهاب الظلامي بكل تسمياتها , واللذين هما في حقيقة الأمر وجهان لعملة واحدة ويسعيان .اذا لم يوضع حد قريب وعاجل لهذه المجزرة , نحو غاية واحدة وهي استكمال تدمير وطننا مجتمعا وكيانا ,وتاريخا وحضارة . .
دخلت الأوضاع في حلب هذا المنعطف الخطير , كما هو معلوم ,بعد انهيار الهدنة التي تضمنها الإتفاق الروسي الأمريكي الأخير حول الأزمة السورية وسط سيل من الاتهامات المتبادلة بين الطرفين المعنيين عمن يتحمل مسؤولية تقويض هذا الإتفاق الذي لم يعلن بنصه وملحقاته بصورة رسمية حتى الأن . وهكذا اصبحت حلب اليوم الضحية المباشرة لهذه الحرب المجنونة ,وساحة المواجهة التي تختصر محنة الشعب السوري كله . ويستمر هذا الوضع في غياب تام للامم المتحدة وخاصة مجلس الأمن الدولي عن تحمل مسؤولياته في وقف هذه الكارثة الإنسانية التي لم تعد تقتصر اخطارها على الدولة السورية وانما باتت خطرا داهما على استقرار عموم المنطقة وعلى السلم والامن الدولي كله . واذا كان المجتمع الدولي وخاصة روسيا الإتحادية والولايات المتدة الأمريكية تتحملان المسؤولية المباشرة في ايقاف عجلة هذه الحرب . بعد ان جرى تدويل القضية السوريية وتغييب ارادة الشعب السوري في تقرير مصيره , واذا كانت هاتان الدولتان تريان ان مصالحما الإستراتيجية والقريبة في منطقتنا تحتمان عليها اعادة توافقهما بما يؤدي الى توفير الظروف المناسبة لإستناف مفاوضات الحل السياسي على قاعد قرارات مجلس الأمن والتوافقات الدولية ذات الصلة , فاننا نعتقد ان هذا التوافق المرحلي اذا ما تم بين الدولتين لا بد ان يتقاطع مع مصلحة شعبنا في المحافظة على وحدة وسلامة وطنه ,وفتح الأفق لتحقيق تطلعاته في بناء المستقبل الديمقراطي المنشود. وفي مثل هذه المنعطف المصيري الذي تمر به بلادنا نشعر نحن السوريين كم كان دورتلك المعارضات السورية المرتهنة لاجندات الدول الاقليمية معرقلا لمسار الحل السياسي ,وكيف كان هذا الدور على الدوام عاملا على اجهاض مشروع ثورة شعبنا الوطنية التحررية , وعلى اذكاء اوار هذه الحرب الأهلية المدمرة وكيف التقى هذا الدور في محصلته مع ما كان يرمي اليه النظام . .
وبعد فهل يمكن لمجلس الأمن الدولي أمام هذا الواقع .الذي يضع العالم على ابواب حرب عالمية ثالثة ,ان يضطلع بمسؤولياته القانونية والأخلاقية والانسانية تجاه وقف فصول هذه الكارثة التي لم يواجهها شعب اخر في هذا العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم ,وذلك باعلان حلب وريفها منطقة منزوعة السلاح وان تشرف قوات مراقبة دولية وفق الفصل السابع على تنفيذ هذا القرار . فاذا ماتم ذلك وامكن نجاح هذه الخطوة فقد تكون مقدمة لفرض وقف الإقتتال الشامل فوق الجغرافية السورية كلها ,كتمهيد لخلق الأجواءالمناسبة وتأمين الشروط الضرورية لمعاودة مفاوضات الحل السياسي بصورة جدية .
ان صوت الشعب السوري كله يتجسد اليوم بنداء الإستغاثة الذي يطلقه ابناؤه في مدينة حلب , مدينة التاريخ الملهم العريق ,مدينة الحضارة الانسانية المزدهرة, الى المجتمع الدولي كله والى مؤسسات الامم المتحدة فهل يلقى نداء حلب الإستجابة المنتظرة ام ستتواصل معاناتها و مأساتها و تستمر في دفن شهدائها و احلامها و تواجه مصائبها و اٌقدارها وحيدة كأنها في كوكب أخر ,مرددة قول المتنبي :
وسوى الروم خلف ظهرك روم فإلى أي جانبيك تميل ..
Social Links: