الروائي والمفكر السوري خيري الذهبي في ضيافة الرافد ..

الروائي والمفكر السوري خيري الذهبي في ضيافة الرافد ..

الذهبي : سوريا دخلت نفقاً هو الثورة , و هو ما تقوم به للمرة الأولى منذ قرون 

حاوره زكي الدروبي 

روائي ومفكر سوري من مواليد دمشق 1946، درس الأدب العربي في جامعة القاهرة في بداية الستينيات، وتتلمذ أدبياً على يد يحيى حقي ، ونجيب محفوظ ، وطه حسين، ثم عاد إلى سوريا ، وساهم في الحراك الثقافي الأدبي وأغناه . له الكثير من الروايات ، والقصص المنشورة (روايات : طائر الأيام العجيبة، ليال عربية، الشاطر حسن، المدينة الأخرى، ثلاثية التحولات ” حسيبة ، فياض ، هشام أو الدوران في المكان” – فخ الأسماء – لو لم يكن اسمها فاطمة – صبوات ياسين – رقصة البهلوان الأخيرة) (قصص : الجد المحمول ) ( مجموعة مقالات مختارة : التدريب على الرعب) تحول كثير من رواياته لمسلسلات ، وسهرات تلفزيونية ، وأفلام سينمائية ، كما أعد وقدم أحد عشر كتاباً صدرت عن وزارة الثقافة في سورية تحت عنوان سلسلة آفاق دمشقية ، حاز على جائزة أدب الأطفال الأولى في السبعينات، وشارك في تحرير العديد من دوريات وزارة الثقافة ، واتحاد الكتاب .

كانت معرفتي بالأستاذ خيري في القاهرة بمنتصف 2012 إحدى نقاط التحول الهامة في حياتي، عكست رواياته ، ومقالاته ثقافته العالية ، ورؤيته الناقدة المعارضة للنظام السوري ، رغم تغليفها بقصص ، وروايات التاريخ ، تعرض لحرب شاملة من عملاء برتبة مخبر في نظام الأسد ضمن اتحاد الكتاب العرب ، وعلى رأسهم علي عقلة عرسان ، فقد فطنوا لما تحوي رواياته ، وقصصه من إشارات ، وتحريض مبطن على الثورة ، خصوصاً في ثلاثيته (التحولات) ، انتقد أيضاً الدور السلبي لبعض رجال الدين من أنصاف المتعلمين وتمسكهم بما يعتبرونه ماض مجيد ، وهم بهذا كانوا الوجه الآخر لنظام الأسد ، وحزب البعث الذي أراد بعث أمجاد الأمة التاريخية ، مرتكزاً على أوهام تاريخية ، وناصر أصحاب الفكر الحر من رجال الدين ، مثل أبو خليل القباني .

1 – في ظل كل ما جرى ويجري، يطرح البحث عن الهوية اليوم نفسه جدياً، من نحن ؟ (إسلام، عرب، شرق أوسطيين، فينيقيين، سريان ….الخ، ما هي هويتنا برأيك ؟

نحن سوريي اليوم جماع هذا كله , فنحن آراميون ومسلمون عرباً ومسلمون تركاً ، وكرداً ، وفرساً ، بل ربما أفغانا ، ومغولا . كما نحن السوريين مسيحيون آراميين ، وبيزنطيون ، ورومان ، وكرد , …. صليبيين اندسوا بيننا مسلمين ، ومسيحيين ، وهذا هو قدر المجتمعات المعاصرة ، ولكننا اليوم سوريون ، ولا شيء غير سوريين .

2 – كيف عمل نظام آل الأسد على إيجاد شرخ في الهوية الوطنية أدى لبروز الهويات ما قبل الوطنية ؟

عمل نظام حافظ على تمزيق السوريين إلى ملل ، ونحل ، وقوميات ، ومنعهم من الاختلاط, وتشارك الوطن, فليس من المعقول أننا اليوم نكتشف أننا لا نعرف وطننا، فكم من السوريين قد زار سوريا شرقي حلب، الرقة, ودير الزور, والحسكة ، وكم من السوريين, زار القنيطرة ، وجبل العلويين ، ودرعا، علينا تذكر أن سورياً واحداً من الداخل السوري لم يعمل في محافظات الساحل معلما ، أو موظفا إدارياً ، وأن سكان الساحل قد انتشروا في كل المحافظات حتى كادوا أن يكونوا وجه الإعلام السوري ، الورقي ، التلفزيوني الخ

3 – كيف يمكن أن نبني مفهوم الوطن بين السوريين ، لأجل أن نتشارك جميعاً لبناء الدولة الوطنية ؟

كم كنت سعيداً حين كنت أسمع المتظاهرين يهتفون يا حسكة نحنا معاك للموت , وأسمع الحسكاوي يهتف يا حمص نحنا معاك للموت الخ … وشعرت أن مشروع حافظ قد فشل , فها السوريون يكتشفون هويتهم رغماً عن تجهيل حافظ للسوريين بهويتهم ، وإعلامه البعثي المخادع …. موريتانيا ، والأهواز لكن لا خبر عن القابون مثلاً .

4 – حكم العسكر، والنظام الأمني في بلادنا أوقف بناء ، وتكون الهوية الوطنية السورية، هل هناك جذور وطنية قادرة على المقاومة، خصوصاً ، وأن محاولات عديدة تمت خلال التاريخ المديد لسورية من أجل وقف بناء الدولة (مغامرة تدمر والبتراء … وصولا للمملكة السورية ، وتدخل قوات الجنرال غورو لهدمها ، ثم الانقلاب على الجمهورية السورية في زمن الرئيس شكري بيك القوتلي رحمه الله ..) ؟

انظر …. الغرب لم ينس ، وإن نسينا أن الشاميين قد طردوا من الشام المحاولة الغربية الأولى منذ الفتوح الإسلامية على استعادة الشام إليهم ، ثم علمتهم التجارب أن الغزوة الأوربية لن تهدمها إلا دولة قوية اقتصادياً كمصر، وهذا ما فعله سلطان مصر ، والشام صلاح الدين , وقد جربوا دولة صليبية أخرى في الجزائر ” وأنا حين أستخدم كلمة صليبي , فإنما أستخدم مصطلحهم , وليس لدافع ديني ” ، وخافت فرنسا من تكرار طرد الصليبيين من الشام في الجزائر ، فاستقدموا مزارعين فرنسيين ،وأوربيين ليعمروا الجزائر زراعياً بعد منع الجزائريين من الاقتراب من أراضيهم , ولكن الأوربيين لم يستطيعوا الصمود أمام الحر، والطبيعة الجزائرية فاستعانوا بأبناء البلد، وكانت هذه هي الخطوة الأولى نحو طردهم من الجزائر …… لم يتوقف الأوربيون عن محاولة الاستيطان في فلسطين , فأقاموا المستوطنات الألمانية في فلسطين منذ ستينات القرن التاسع عشر, ثم المستوطنات الأميركية , ثم اليهودية , وكان هذا كله قبل وعد بلفور …. وقبل الاحتلال العسكري لفلسطين …. ولكن مفكريهم أيقنوا ، وعرفوا أن دولة إسرائيل لا مستقبل لها مع وجود مجتمعات كسوريا ، ومصر ، والعراق ، وهي مجتمعات ولود ، وليس من أحد يعرف متى يلدون صلاح الدين ثانية ، فإذا بالتجربة الصهيو- صليبة ، وقد أخفقت ، وطردت من الجغرافيا الشامية , فقرر الغرب تقسيم ، وتفتيت المنطقة إلى ما كانت عليه دون وعي … عرب ، وكرد …. سنة ، وشيعة ، وعلويين الخ …… المؤامرة تتضح اليوم فهل نستطيع منع تكاملها أم فات القطار ؟ العلم في يد المستقبل ، والتاريخ فقط .

5 – كل هذه التدخلات منذ فجر التاريخ ، ومحاولة وأد أي محاولة للاستقلال ، والوصول لقرار وطني مستقل ، وحالياً كل هذه المجازر التي لم يشهد التاريخ لها مثالاً، سوى في مجازر تيمورلنك الأعرج . هل تشير لوجود فيتو على محاولة الشعب السوري الحصول على حريته ؟ واستطراداً كيف يمكن أن ننجح هذه المرة ؟

هناك فيتو رئيسي ومركزي ومتفق عليه عند مراكز القرار بمنع هذه الدول من تشكيل تهديد ثان للغرب .

6 – في العودة لمسألة الهوية، يجادل البعض في أن الثورة خرجت من المساجد لتقيم دين الله على الأرض ، وهي بهذا المعنى ثورة إسلامية ضد النظام العلماني العلوي الكافر، كيف ترى هذه المقولة في ظل تحالفه مع حزب الله ، ونظام المرشد ، وآية الله في إيران والميليشيات المذهبية المتطرفة في العراق ؟ وفي ظل دعم الكثير من رجال الدين المسلمين ، وغيرهم للنظام ، ودعوتهم لإبادة مخالفي النظام ؟

خروج الثورة السورية من المساجد فرضت علينا فرضاً … فرضها حافظ الأسد , وأنا أذكر أني رددت على أدونيس الذي قال : لا يمكنني تصور خروج ثورة من المساجد !!! فحدثته أني أسكن في حي يبلغ عدد سكانه ما يقارب ثلاث مئة ألف من السكان , وهذا الحي جديد ليس فيه سينما ، ولا مسرح ، ولا ناد ثقافي ، ولا ناد رياضي , ولا فندق ، ولا مقهى ، ولا… ليس فيه مكان يجتمع فيه الناس لتبادل الأفكار، إلا في مساجد بناها عهد حافظ أسد يبلغ عددها أكثر من ست ، وعشرين مسجداً …. فأين يتجمع الناس ، ويتناقشون في أمورهم ، إلا في مساجد بناها ، وراقبها ، ووضع عليها الحراسات حافظ الأسد .

7 – استندت داعش ، وغيرها من التنظيمات المتطرفة على اجتهادات فقهاء مسلمين ، فهل ترى أن دين الإسلام دين متطرف ، ويجب أن يركن جانباً ؟ وكيف تفسر ظاهرة التطرف التي تنتشر في العالم ؟ ففي أوروبا يتصاعد اليمين المتطرف، حتى الشرق المعروف بحكمته ، وتسامحه ، والديانة البوذية التي لا تعتدي على ذبابة أصبحت تحوي متطرفين يقتلون مخالفيهم من أتباع الديانات الأخرى ؟

لو شئت الربط بين التطرف ، والأديان لوجدت التطرف في كل الأديان الإبراهيمية , فهل يوشع النبي اليهودي ليس متطرفاً حين دخل أريحا ، فقتل السكان ، والحيوانات ، وحرث الأرض ، وزرعها ملحاً حتى لا تنبت من بعد ، وهل الجزويت ، أو اليسوعيون ليسوا متطرفين ….. ولكن حين يبتعد العنف الرسمي عن الحيلة اليومية يبتعد التطرف …. داعش هي صناعة المخابرات السورية !!!

8 – في ثلاثيتك (التحولات) رأينا صياح المسدي الثائر الذي اضطر لترك الجبل ، ومعاركه ضد الإحتلال الفرنسي بعد انحسار الثورة السورية ، والعمل العسكري ، وتحوله لنضال سياسي، وعاد لدمشق ليزوج ابنته حسيبة ، ويركن مكسور الجناح حتى استدعاه سعيد العاص للدفاع عن فلسطين بوجه محاولات بريطانيا ، التي نجحت فيما بعد كما نشاهد اليوم في اقتلاع شعب فلسطين من أرضه وإحلال عصابات غازية مكانه لتوجد دولة إسرائيل، هل تموت الثورة في قلب الثائر ؟ أم أن جذوتها لا تنطفئ أبداً ؟

الثورة هي قدر الإنسان الحالم بمجتمع عادل ، وأمثال غيفارا ، وتروتسكي وسعيد العاص لن يختفوا من تاريخ البشرية ، فهم المشاعل التي تضيء ظلمات الظلم ، والفساد ، والاستعباد. مدرسة الثوار التي اجتمع فيها الكهول ، والشبان ، وطالبوا بالحرية ، والعدالة …. مدرسة الثورة السورية التي اجتمع فيها مئات الآلاف من السوريين ، هي النبع الذي لن يجف …. قد يصمت رعباً من المعتقلات لفترة ، ولكنه حين يقوم لن يردعه رادع من بعد .

9 – في روايتك (الأصبع السادس) كان للشيخ دور سيئ في قمع تقدم وتطور المجتمع، هل لازال هذا الدورقائماً للآن ؟ وكيف السبيل للابتعاد عن هذه السطوة ، والإرتقاء بالمجتمع ؟

كان لرجال الدين مسلمين ، أو مسيحيين ، أو بوذيين دوران … واحد منهما هو الوقوف في وجه الثورة ، والآخر هو صنع الثورة ….، وكان الصراع بين الشيخ أبو خليل القباني حامل راية الثورة الحضارية للدخول في العصر …. هذا الرجل كان له عدو هو الرسوخ ، والثبات الفاسد على الماضي ، أو ما يظنون أنه الماضي ، وإنما هي ذاكرتهم التي تغفل كل تقدم ، ولا ترى إلا السواد ، والثبات ، وهذا في كل الأديان ، والمذاهب .

10 – كيف ترى الآفاق القادمة على سورية ، وما السبيل للنجاح في تحقيق أهداف الثورة ؟

سوريا دخلت نفقا هو الثورة، وهو ما تقوم به للمرة الأولى منذ قرون ، فإن نجحت كانت المشعل الذي ينتظره العرب ، وإن …..

  • Social Links:

Leave a Reply