توحيد القوى الديمقراطية في مواجهة تصاعد قوى الإرهاب ضرورة تاريخية

توحيد القوى الديمقراطية في مواجهة تصاعد قوى الإرهاب ضرورة تاريخية

احمد قاسم *

لاشك أن إنطلاقة الثورة السورية في منتصف آذار 2011 ضد الإستبداد والدكتاتورية كانت تمتلك شرعية جماهيرية واسعة, كونها إنطلقت من أجل تحقيق تغيير ديمقراطي في مفاصل الدولة السورية, التي كانت تعاني من سيطرة البعث, وهي مفرغة من كل محتوى التي تكون ضرورة لكل دولة بمعناها الجوهري. وكذلك ضد زمرة تتصف بالعصاباتية و المافيوية, كانت تستغل الفرصة السانحة من قبل البعث في إنتشار الفساد في جميع مفاصل الدولة بما فيها ” السلطة القضائية “, وإبتزاز الضعف الذي كان مسيطراً على قوى ” المعارضة ” لإمتلاك كل مصادر التي ترفد الدخل القومي, بما فيها مصادر الحركة الإقتصادية ( من زراعية و صناعية و تجارية و سياحية ), إلى جانب سيطرة الأجهزة الأمنية على كامل جوانب الحياة ” حتى الفكرية والثقافية ” منها, وحجز الحريات ” فردية وجماعية ” بشكل مطلق. ( فإما أن تَهْجُرَ السياسة والفكر, وإما أن تكون في المعتقل طوال حياتك ).

لذلك كان من المفترض أن تتحرك الجماهير لكسر طوق الخوف وجدران المعتقلات الكيفية بعيداً عن” القضاء “, والضغط على النظام بطرق سلمية لإجراء تغييرات ديمقراطية في البلاد بعد سنوات وعقود من الكبت والإختناق. إلا أن الذي كنا نتعهد له تم تطويقه بشكل ما كانت المعارضة الديمقراطية تحسب له الحساب. حيث أن, مع تصعيد الحراك الجماهيري تحركت القوى المتشددة الإسلاموية بإيحاء من حزب الإخوان المسلمين, وكذلك بفعل مخابراتي للنظام تم تجنيد الكثير من المجرمين في المعتقلات لتشكيل كتائب بإسم الإسلام وتطويق الحراك السلمي ضد النظام, ومن ثم قلبها إلى صراع مسلح ” يحمل صفة الطائفية ” وإبعاد الشبهة عن النظام ” على أنه ومن واجب حكمه الحفاظ على أمن المواطنين من الإرهاب “. ومع الأسف الشديد تحولت حراك الجماهير ضد النظام بشكلها السلمي إلى حرب ليس لها عنوان.. ” تديرها النظام و قوى الإرهاب بإتقان ” إلى جانب تدخل قوى خارجية لا حدود لها ( سياسياً وعسكرياً ) إلى أن بقي الشعب السوري من دون إرادة في كل ما تجري من كوارث في بلده, وكل ما تجري من حوارات ولقاءات دولية بشأن بلده. ” كل ماهو غير سوري معني بشأن سوريا, والسوريون هم مشروع للقتل والتهجير والإعتقال “. فسوريا اليوم مختطف, ومبتعد عن أبنائها الذين يعانون أشد معانات ( في الداخل مقتول ومحاصر, وفي الخارج مُهَجَرٌ في الشتاة, إما في الخيم, أو معسكرات التجميع, فاقد لكراماته التي من أجل إستعادتها إنطلقت ثورته ” ثورة الحرية والكرامة ” من دون أن يدري بأن قوى الإرهاب والإستبداد ستتوحد ضده, إلى أن يندم على فعله الثوري. )

فمنذ بداية إنطلاقة الثورة, تحرك النظام لتجنيد منظمات إرهابية, ومجاميع مجرمين وتوظيفهم على أنهم معارضين للنظام, ولكن في حقيقة الأمر ليخدموا مشروع النظام من أجل بقائه على رأس السلطة في البلاد.. وبالتالي تم تمرير الخدعة على المعارضة الفتية التي لم تمتلك أية تجربة أو خبرة سياسية, وتجهل أساليب النظام المخادعة. فاعتبرت ” جبهة النصرة ” جزءً أصيلاً من المعارضة, ” وهي أعلنت على أنها فرعاً ترتبط بالقاعدة إرتباطاً عضوية ” بالإضافة إلى ” داعش ” التي سيطرت على أكبر المساحات من العراق وسوريا بشكل مرعب, وكذلك تم إعتبار كل من يحمل السلاح وينضم إلى الحرب الدائرة ” ضد النظام قولاً, وتعمل لتحقيق مآرب أخرى ” فهو جزءٌ من الثورة, إلى أن حوصرت كتائب ” جيش الحر, التي تم تأسيسها مع بدء الإنشقاقات من الجيش السوري ” من كافة الجهات, وطغت على كامل سوريا مشهداً توحي على أنها ” حرباً طائفية, أهلية تديرها أطراف عديدة, والنظام جزءً منها ” وبالتالي كان التحالف الدولي ضد الإرهاب قد تشكل مُجْبَراً على خلفية هذا التصور المخيف, لتكون أولوية المجتمع الدولي تتركز على القضاء على الإرهاب في سوريا, وفي مقدمة تلك القوى الإرهابية هي ( جبهة النصرة و دولة الإسلام في العراق والشام ) الإرهابيتين بالأسم.

مقابل كل ذلك, بقيت القوى الديمقراطية في سوريا فاقدة لموقعها الإستراتيجي التي كانت من المفترض أن تقود هي ذلك الحراك الثوري, بينما إستشعرت وكأنها خارج حلبة الصراع داخلياً وخارجياً, مستسلمة لقوى إقليمية لاتطلب الخير لسوريا. لذلك كانت كل التشكيلات التي تم تشكيلها وتأسيسها للمعارضات السورية خاضعة لإرادة القوى الإقليمية, وفي مجمل أعمال تلك التشكيلات وعملية إتخاذ القرارات السياسية بشأن الصراع والحرب في سوريا, تكون خاضعة للإستقراء والتمحيص والتدقيق من قبل أجندات تلك القوى الإقليمية, وحتى عندما يتم إختيار الأشخاص لمواقع قيادية يجب أن يؤخذ أراء تلك القوى بعين الإعتبار.. وبالتالي فقدت القوى الديمقراطية الأصيلة في البلاد دورها الريادي, وسط تخبط في الحراك السياسي والدبلوماسي الخاطيء والمريب.. فكان من السهل على ممثلية المعارضة ( الهيئة العليا للمفاوضات ) ” الإحتفاء بجبهة النصرة الإرهابية مع إعلانها على أنها فكت إرتباطها بالقاعدة, وذلك بتفاهم مسبق بينها وبين القاعدة لتلعب دوراً أكثر فاعلية في المرحلة القادمة تحت إسم آخر وهو ( جبهة فتح الشام ), مع الإبقاء على النهج والسلوك والهدف “. وليس غريباً في القادم من الأيام أن تشارك ” الهيئة العليا للمفاوضات ” وتُصَدِرَ الوفد المفاوض مع النظام.. هذا يعني, أن الأمر مطروح أيضاً أمام ” داعش ” في حين غرة, أن تغير إسمها وتخلع ثيابها في آخر لحظة من عمرها لتنضم إلى صفوف المعارضة من أجل الحفاظ على مكتسباتها ودورها, وهذا ما يخطط لها النظام لتبقى القوى الديمقراطية دائماً خارج حلبة الصراع, كونها هي الأخطر على النظام وهي البديل الحقيقي للنظام في مستقبل سوريا القادم. أما قوى الإرهاب لا تملك في جوهر نهجها مشروع دولة, حيث أن كل مشاريعها ستصطدم برفض المجتمع الدولي لها, وستواجه إتحاداً دولياً سياسياً وعسكرياً.

لذلك, من أولى أولويات التي تطرح نفسها أمام القوى الديمقراطية في البلاد, عليها الوقوف ” وقفة التمعن والتدارك والإستقراء لكل ما جرى خلال هذه السنوات الخمس الماضية ” سياسياً وعسكرياً. لتحديد موقعها من موقع المسؤولية التي تقع على عاتقها تجاه هذا المشهد المرعب في سوريا. وتقرأ التفاصيل بشكل دقيق لتحديد مواقع الخطأ الذي وقعت فيها منذ بداية الثورة, وقبل تدفق الإرهابيين ( جماعات وأفراد ) بإيحاء من النظام, وكذلك الإخوان المسلمين الذي يتحمل جزءً كبيراً من المسؤولية تجاه توافد الإرهابيين ظناً منه على أن المجتمع الدولي سيختاره كقوة إسلامية معتدلة من بين خياراته التي تواجه إستبداد ودكتاتورية النظام من جهة, ومن جهة أخرى تصاعد قوى الإرهاب في البلد. وكان هو الآخر يدفع المشهد باتجاه تغييب القوى الديمقراطية وتشتيتها.

الآن, يبدو أن المعارضة السورية تذهب باتجاه الإنحصار والإختناق من قبل القوى المتشددة الإسلاموية التي تتسلل إلى صفوف المعارضة السياسية كما تسللت إلى صفوف القوى المسلحة على الأرض, وكذلك الشوفينية العربية التي في حقيقة أمرها لا تختلف فكرياً وسلوكياً عن فكر وسلوكيات البعث في إدارة السلطة في البلاد, وإلا لما كنا قد رأينا هذا الموقف الإحتفائي والمباركي من قبل ” الهيئة التفاوضية العليا ” لجبهة النصرة على خلفية تغيير إسمها. كون البعث في جوهر أمره يقوم على أمرين إثنين ” الشوفينية المتشددة والإسلام المتشدد ” وجهان لحزب البعث عندما يظهر الأول يختفي الآخر وبالعكس. فأين يجب أن تكون القوى الديمقراطية لتحمل مسؤولياتها التاريخية تجاه شعبها وبلدها المذبوح على مقصلة النظام والإرهاب؟

أعتقد, آن الأوان أن يجتمعوا الديمقراطيون السوريون ولو تأخروا عن واجباتهم, ويلملموا قواهم التنظيمية والمدنية تحت شعار ” أنقذوا الوطن والمواطن من الموت ” لتكون صرخة صادقة يجتمع عليها كل السوريين, وتكون بمثابة عملية ثورية لإستئناف ثورة الحرية وبشكل آخر في مواجهة الإستبداد وقوى الإرهاب معاً. وتصحيح المسار الذي كان من المفترض أن يسلكه الشعب السوري لتحقيق أحلامه في الحرية والكرامة. وهذا لا يمكن تحقيقه إلا بتوافر الجهود كافة من قبل كل من يرى في نفسه ديمقراطياً أن يلجأ إلى بناء مشروع ديمقراطي مع وحدة الصف بين القوى الديمقراطية في البلاد وبين كافة مكونات الشعب السوري كورداً وعرباً وسريان وتركمان…. فهل بقي لهذه القوى والمكونات مجالاً أكثر لأن تتخلف عن واجباتها تجاه وطنهم وشعبهم؟

جدير ذكره, أن الأستاذ عبد الحميد درويش سكرتير الحزب الديمقراطي التقدمي الكوردي في سوريا, طرح مشروعاً وطنياً بهذا الخصوص, والتقى مع الكثير من الفعاليات القومية ( السياسية والإجتماعية والثقافية ) لدفعهم بهذا التوجه والإتجاه من أجل توحيد القوى الديمقراطية الوطنية, وقطع الطريق أمام لعبة النظام مع الإرهاب من جهة, ومن جهة ثانية تجريد الإرهاب من الشرعية الجماهيرية السورية, وبالتالي طرح نفسها الممثل الشرعي للشعب السوري من خلال طرح مشروع وطني شامل يحدد علاقة المواطن بالوطن على أساس الحريات العامة وتأمين حقوق كافة مكونات الشعب السوري من دون إستعلاء مكون على مكون آخر.. وتؤكد على أنها البديل الديمقراطي لنظام الإستبداد. ومن دونها ستذهب سوريا إلى الهاوية والضياع, وسيواجه شعبها أبشع الجرائم والكوارث.

* عضو اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي

  • Social Links:

Leave a Reply