أحمد جدعان الشايب
يخطئ كل من يعوّل على التقارب الروسي التركي في المرحلة الآنية، وفي المستقبل القريب، فيما يتعلق بالكارثة السورية، حين يتوقع أو يتصور مقاربة حل يخدم الشعب والثورة السورية.
إن دخول روسيا إلى جانب نظام بشار الأسد، في معمعة الصراع بين الفرقاء في سوريا، كان في البداية حذرا، أقرب إلى جس نبض الدول الإقليمية المؤثرة ( الدول العربية، وتركيا)، والدول الغربية وعلى رأسها (الولايات المتحدة الأمريكية).
حين تيقن بوتين تماما، أن الغرب لايهمه القضية السورية ولا شعبها ولا ثورته، اتخذ قراره بالقبض على حبال الدمى، يوم سلمته تحريك رؤوسها وجذوعها وأقدامها أيضاً، ليضرب عرض وطول وعمق الساحة والخلفية، بما يراه مناسباً في الساحة السورية الاستراتيجية، جغرافياً، واقتصادياً وعسكرياً، لإثبات تحديه بتمكين وجود روسيا على سواحل البحر المتوسط، ومن ثم المياه الدافئة على شواطئ الخليج في المرحلة اللاحقة.
كان لدى روسيا أكثر من ذريعة، لكي تقدم على خطوة، تؤسس لأن تكون القطب الأهم في هذه الحرب الأهلية، التي افتعلها النظام الفاشي، وحولها إلى حرب إقليمية، ثم دولية، باستدعائه الآلاف من أعداد المرتزقة، والدول المارقة الشبيهة به، لتجد روسيا فرصة مواتية تماماً للتدخل المباشر لدعم نظام الحكم القائم، رغم كل ما جرى ويجري من خراب ودمار وقمع.
الحجة الأولى: دعم حكومة شرعية، ورئيسها المنتخب من قبل الشعب السوري بنسبة 99،99%.
الحجة الثانية: محاربة الفصائل الإسلامية المتطرفة، والقضاء عليها في الساحة السورية، بادعاء أنها قد تتمدد نحو روسيا لتجد لها مؤيدين في جمهوريات القوقاز، وفي بعض دول أوروبا.
الحجة الثالثة: هي نظرة الغرب عموما، وروسيا خصوصاً، إلى أن مؤيدي النظام السوري القائم، هم في الغالب من الشرائح الاجتماعية التي تسود بينها الحريات الاجتماعية والفكرية، إضافة إلى جميع الأقليات العرقية والدينية ( مسيحيين، وعلويين، ودروز، واسماعيليين ، وشيعة، وأكراد).
الحجة الرابعة: حماية قواعدها العسكرية على الساحل السوري واستمرارها.
لم ينكر الغرب ، ولا العرب، على روسيا هذا التدخل، ولم يختلفوا معها في هذه الذرائع، بل كثيراً ما دعموها، ولمّحوا إلى التعاون للقضاء على الإرهاب وحماية الأقليات، فأطلق بوتين يديه لنشر الرعب والقتل وزيادة الدمار والخراب، في جميع المدن والأرياف السورية، التي خرجت من تحت نير سيطرة نظام فاجر، فاتخذ ذريعة ضرب الإرهابيين والمتطرفين، ليقصف الأحياء المدنية الآمنة، والأسواق، والمشافي، والمعارضة المدنية صاحبة الثورة الشعبية والجيش الحر المعتدل، ولم يقصف بطائراته حتى اليوم أي هدف لداعش، ولا حتى للنصرة المتطرفين.
إن الدور الروسي قد تجذر في القضية السورية، منذ أن زار روسيا ( قاسم سليماني) مسؤول الحرس الثوري الإيراني قبل حوالي سنة، للاتفاق على تسليم روسيا جميع مفاتيح وخيوط هذه القضية، شرط أن تقدم إيران المقاتلين على الأرض، وتحمي روسيا بطائراتها المتطورة الأجواء، وتوجه صواريخها إلى الشعب المنكوب.
لقد تأكد هذا، حين أقلّت طائرة نقل عسكرية روسية بشار الأسد، ليلتقي بوتين، ويصغي إلى شروطه وأوامره، بعد زيارة قاسم سليماني بأقل من شهر، وليبصم له بأصابعه كلها على تسليمه ما يشاء من قرارات وأفعال (سياسية وعسكرية)، في مقابل طلب واحد ووحيد، هو بقاؤه على كرسي رئاسة السلطة والحكم، لأن الأمر بالنسبة له، تجاوز مرحلة كسر العظم بينه وبين الشعب والثورة، وتطور ليصير طحن عظام.
أما تركيا وخاصة أردوغان، فقد تغير موقفه، منذ مدة ليست قصيرة، قبل لقائه بوتين ، وقبل محاولة الإنقلاب الفاشلة أيضا بأشهر، منذ استقالة أحمد داوود أوغلو، وتعيين بن علي يلدرم رئاسة الوزارة، بغض النظر عن خلفيته الطائفية، كونه من الطائفة العلوية التركية، ففي تركيا، الوضع مختلف.
لكنه استطاع أن يغير من رؤية أردوغان فيما يتعلق بالحل في سوريا، بتليين الموقف التركي تجاه بقاء بشار الأسد في المرحلة المقبلة، لمدة قد لا تتجاوز السنة، هذا رغم ما نسمعه من تصريحات إعلامية لمسؤولين أتراك، بعدم تغير الموقف التركي فيما يخص بقاء بشار رئيساً ولو رمزياً.
إن المواقف الإنسانية للدول والحكومات، غالباً تكون ذريعة جاهزة أيضاً، هي ليست أكثر من ( ذر الرماد في العيون) كما يقال، لأن المصالح الشخصية ثم القومية، أولى وأهم من أية عاطفة أو شفقة أو إنسانية.
إذ، في الواقع، وفي النهاية، لافرق بين طريقة الحكم والسلطة بين بشار الأسد وانتخاباته الأمنية، وبين ديمقراطية إيران، وروسيا، ومصر، إضافة إلى دول الخليح وجميع الدول العربية، وقد تكون تركيا أيضا، فالكل يسعى لإضفاء نوع من التسلط والدكتاتورية.
في الختام، تركيا تتمنى اليوم قبل الغد، إنهاء القضية السورية بأية طريقة وباي شكل يكون، إلا التقسيم، لأنه سينعكس مباشرة على أمنها القومي، وعلى وحدة تركيا، تماماً مثل روسيا، التي أنهت تمرد انفصال الشيشان وأجزاء من القوقاز، بطريقة عسكرية قمعية، كما تنهي إيران أي تمرد أو تطلع للتحرر والحرية من حكم الملالي.
ستوافق تركيا على أي حل تطرحه روسيا، يبقي على سورية موحدة تحت أية سلطة كانت، حتى مع بقاء بشار لفترة ما، وبعد ذلك يقرر الشعب السوري مصيره.
الأهم بالنسبة لتركيا، وقف طموح الأكراد باقتطاع جزء هام من سوريا، لكي لا تكون تركيا وإيران تحت أمر واقع، قد يفرضه الغرب، وخاصة أمريكا وفرنسا وألمانيا، وآخر همّ الجميع من حولنا، أكان قريباً أو بعيداً، طموحات شعبنا السوري الذي ثار على الطغيان والفساد والتسلط، باحثاً عن دولة يسودها القانون والعدل وتحقيق حريته وكرامته ووحدة وطنه وشعبه.
Social Links: