ماجد العلوش
بدأت معارك حلب نهايات الشهر السابع ، ومطالع الشهر الثامن من العام الجاري ، واستطاع تحالف الغزاة والطغاة من فرس ، وقطعان دمشق ، والضاحية ، وعراقية ، وغيرها بداية فرض الحصار على المدينة او أحياءها الشرقية . لترد فصائل المعارضة المختلفة بهجوم شامل استعادت فيه ما خسرته بل وهددت بتوسيع الهجوم ليشمل فرض الحصار على الاحياء الغربية التي كانت تحت احتلال قوات تحالف الطغاة والغزاة ، ثم توصل ” الثنائي القذر ” الى اتفاق للهدنة في حلب 11 إيلول على أمل ان يشكل مقدمة لوقف القتال على عموم الأراضي السورية وهو ما لم يحصل بل انقلبت الأمور تماما فبدل الهدنة دخل الروس الذين لم يشاركوا في المعارك السابقة بشكل واسع . دخلوا هذه المرة ساحة المواجهة بكل الهمجية التي اشتهروا بها عبر تاريخهم كما لو انهم يريدون تثبيت الصورة الشائعة عنهم في عصر التوثيق الدقيق لكل ما يجري لسحب الحجة من أي مدافع عنهم : ان ما يقال عن همجية الروس مجرد صيت لا اكثر وهاتِ دليل موثق على همجية الروس عبر التاريخ . هذه الحجة سحبت من ايد المدافعين عن الروس بعد تدخلهم في سورية وبعد هجوم حلب الأخير والذي دفع ” المسكين / القلق ” الى القول ان المسالخ اهون مما يجري في حلب .
معركة حلب الأولى فُسِّرت كما لو انها خطوة متهورة من قبل تحالف الطغاة والغزاة لمْ يستشيروا سيدهم الروسي بها فجاء الرد عبر الفصائل السورية لإفهامهم حدودهم لكن المعركة الثانية تبدو مختلفة تماما فالروس هم عمادها وقادتها الفعليين والباقي – بما فيهم الحرس الخمينيّ الفارسي – مجرد جنود لا أكثر فماذا يريد الروس من هذه المعركة ؟
السيطرة على حلب المدينة !!! وماذا يعني هذا ؟ اذا كان القصد منه رفع معنويات العصابات التي لا تزال تقاتل تحت اسم الجيش السوري فالروس أدرى – حتى من زعيم تلك العصابات – بحالها وانْ لا قدرة لها على السيطرة واذا كان الروس يعتمدون على القطعان الطائفية فمن الصعب ان يغير هؤلاء ولاءهم فلهم بنية مختلفة عن بنية قطيع دمشق وبالتالي فستكون فارس هي الرابح وهي دولة متماسكة من الداخل – على الأقل على مستوى القيادة – وقادرة على تغيير اتجاه سياستها في لحظة ما تتطلب تغيير اتجاه البوصلة ، ولا أظن الروس لا يعرفون الكثير من التفاهمات – تحت الطاولة – القائمة بين النظام الفارسي وكل من الإسرائيليين والامريكيين . ما اقصده ان حاجة زعيم قطيع دمشق الى داعم يبقيه في السلطة والتي سمحت للروس باحتلال أجزاء من سورية ليست متوفرة عند الفرس وبالتالي فهم قادرون على مواجهة الروس اذا انتهت الأمور في سورية وجاءت لحظة اقتسام الغنيمة .
بدل ان تشكل الهدنة أملا لوقف اطلاق نار شامل في سورية . شكلت مدخلا الى حرب همجية يشنها الروس على حلب خاصة والشمال السوري عامة واستتبعت تطورات أخرى من بينها بدء عملية درع الفرات آواخر آب الماضي التي تنفذها فصائل منضوية تحت الجيش السوري الحر وتلقى دعما لوجستيا مهما من تركيا .
واللافت هو انسحاب داعش من المواقع التي تقدم اليها الجيش الحر دون قتال او دون مواجهات حقيقية . الامر الذي استغله البعض لتأكيد التفاهم الضمني بين داعش وتركيا وهو ما كانوا ينكرونه ويستنكرونه عندما كانت داعش تنسحب امام بقايا قطيع دمشق في اكثر من موقع ، او العكس . انسحاب داعش امام الجيش الحر لا يُفَسَّر على قاعدة المؤامرة والتفاهم الضمني بل ينذر بكوارث قادمة وهو ما حصل في حلب ولا يزال .
الامر الثاني هو اعلان الإدارة الامريكية وقف التفاوض مع الروس في الشأن السوري والذي أثار ضحك الكثيرين واستهزاءهم نتيجة السياسات الامريكية اتجاه الملف السوري لكن هذا الإعلان وبعيدا عما أثاره يكشف حقيقة الوضع في سورية والمرتكز الى توجهين متناقضين الأول روسي يقوم أساسا على بقاء قطيع دمشق برأسه والكثير من أعضائه وتطعيمه بـ ” معارضين ” مستعدين للعمل تحت الاحتلال الروسي مباشرة، او عبر ” عاملهم ” على سورية وتعهدها بحل المشاكل الناجمة عن الاحتلال الفارسي لسورية بما فيها التغيرات الديمغرافية في اكثر من منطقة وبيع الأراضي ،وبقية المشاكل على ان تقوم لاحقا وبعد استتباب الوضع بفرض تغيرات تدريجية على النظام في سورية في اطار استمرار سيطرتها على الوضع .
التوجه الثاني الذي لا ترفضه الإدارة الامريكية ولكنها لا تبذل جهدا لتحويله الى واقع وقوامه انهاء سيطرة ” آل اسد ” على السلطة ولو خلال فترة انتقالية وانشاء نظام تشاركي يفتح الطريق امام تطور الأوضاع السياسية في سورية لاحقا وينهي المأساة القائمة وهو التوجه التركي السعودي المدعوم اوروبيا مع الإقرار بوجود خلافات جانبية بين اطرافه تتعلق برغبة كل طرف بحفر مجرى التطور اللاحق وفقا لرغباته ومصالحه .
الامر الثالث هو ما حدث مساء 8/10 في قاعة مجلس الامن والذي اظهر ليس حقيقة المجلس المذكور بل حقيقة الوضع الدولي الراهن . صراع عصابات تنتمي الى عصور الهمجية القديمة . لا تبدو فيه آفاق التسويات قريبة .
ماحدث في مجلس الامن وما رافقه من استعراضات ” بوتينية ” تركزت على استعراض القوة من خلال نشر المزيد من منظومات الصواريخ في سورية وارسال القطع البحرية الى شرق المتوسط وتهديدات بحدوث زلزال . ليتبين فيما بعد ان ذلك كله مجرد استغلال للبيان الأمريكي الخلبي هدفه استعراض قوة على طريقة الجبان حين يكون وحيدا في البرية يمتشق سيفه ويقوم بحركات دونكيشوتية . بوتين اول من يعرف علم اليقين انها استعراضات كرتونية تجعله مضحكا اكثر ولكن لا تجعل من روسيا دولة عظمى ، فالدولة العظمى لها شروطها المعروفة واهمها اما ان تكون منعزلا عن الاقتصاد العالمي ومسيطرا على الداخل ومتحكما به بقوة وتملك القدرة والجرأة على اتخاذ القرارات الصعبة والمكلفة كما هي الحال أيام الاتحاد السوفيتي او فاعلا في الاقتصاد العالمي ومسيطرا على العديد من مساراته ومطمئنا الى مؤسسات داخلية هي في مجموعها الدولة التي تحكمها كما هي الحال في الولايات المتحدة وكلا الحالين لا يتمتع بهما السيد ” باباي روسيا ” ولا دولته التي تملك ولا شك ترسانة عسكرية تقليدية واستراتيجية هي الثانية في العالم ولكن الوضع الداخلي قابل للانقلاب في اية لحظة بسبب سيطرة المافيات عليه .
مايفعله ” باباي روسيا ” ليس اكثر من استعراض عضلات لن تفيد في الصراع الدولي فالصدام الروسي الأمريكي مستحيل حتى على المستوى النظري من التفكير ولذا فان الساحة الوحيدة المتاحة هي ساحة التفاهمات الدولية مهما بدت الأمور مستعصية والعالم باسره يعرف أن الولايات المتحدة هي الأقوى والأكثر قدرة على الصمود واتخاذ الموقف . وتملك من أوراق الضغط ما لا يمكن معه إحصاء او تحديد والمسالة برمتها تتصل بتوجهات المخنث أوباما .
وأخيرا جاء ” لوزان ” الذي توسعت الدائرة فيه لتشمل المنظومة الإقليمية كلها تقريبا وعلى الضفتين على أمل رسم حدود جديدة للحركة تسمح باستمرار الحركة من جهة وتمنع حدوث الخطأ من جهة ثانية لكن الكثيرين علقوا احلامهم عليه ليكتشفوا الَّا جديد تحت الشمس ولن يكون هناك جديد قبل ان تتصل النار المندلعة في كابول مع النار التي ستندلع في طنجة وتاخذ في طريقها هذا التاريخ الذي لا زال يحرقنا بنيرانه ومعه الكثير من الجغرافيا والبشر .
Social Links: