الحزب القومي السوري وطبيعة النزاع الدائر في سوريا (1/2) ..

الحزب القومي السوري وطبيعة النزاع الدائر في سوريا (1/2) ..

 Yonadam Yonadam 

يتم نقض الطائفي بالطائفي، لا في الفكر ولا في السياسة، بل به يتعزّز حتى لو كان نقداً. لا تناقض بين الطائفي والطائفي
حتى لو بدا بينهما تناقض، حيث لا تناقض بين أطراف متماثلة، لا اختلاف بينهما بل ائتلاف يضعها جميعاً في طرف واحد .”

يصف بعض المحللين طبيعة الحرب الجارية في سوريا بانها (طائفية) مستندين في ذلك الى افتراضات مغلوطة ناجمة عن عدم فهم طبيعة الهوية السياسية للبلاد، كما انهم ينطلقون من مقدمات تتبنى هي نفسها رؤية طائفية وتفترض تقسيم الشعب السوري الغير متجانس الى مجموعات مسيسة من الطوائف والقوميات. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة: ما هو مدى طائفية الحرب والثورة في الواقع الفعلي للصراع؟ ام ان هذا الصراع هو في جوهره (شبه طائفي) لأن قضايا النزاع المتعددة والمتشعبة ترتبط أيضاً ارتباطاً أساسيا بالطبقات الاجتماعية، والأيديولوجية وغيرها من المكونات المتعلقة ببنية الدولة، والتي نشأت عبر التطور التاريخي لتلك الهويات السياسية ، في هذا العرض لا بد من التأكيد على حالة الاعتدال السائدة داخل المجتمع السوري والتي كانت من سماته المميزة، وكيف تطورت الهويات الطائفية داخل الكيان الوطني بطريقة متشابكة ومعقدة في المرحلة المعاصرة بحيث تبين ان حالة العنف الأخيرة والدائرة بين الكيانات الطائفية هي نتيجة بروز عوامل في البنية الاقتصادية والاجتماعية وتأثير ذلك على التحولات السياسية ، ويقودنا هذا الى استنتاج ان الصراع الدائر في سوريا ليس ناجماً عن عداوات قديمة غير قابلة للتغيير. من المهم اليوم معرفة التغيرات البنيوية في الدولة والمجتمع وكيف تعاملت النخب السياسية معها.

وبحسب تلك النظرة الطائفية فان 12 ٪ من السكان ممن ينتمون الى الطائفة العلوية يدعمون نظام الرئيس العلوي بشار الأسد الذي ورث السلطة عن والده واستكمل بعد ذلك توفير الامتيازات لطائفته. اما العرب السنة فيشكلون 64 ٪   من مجموع السكان وأغلبهم يؤيدون المعارضة وقد جرى تهميشهم من قبل كلا الأسدين، (حافظ وبشار). اما الجماعات الدينية الأخرى العربية والغير سنّية فيشكل المسيحيون 9 ٪، والدروز 3 ٪، والشيعة 1٪، وجماعات أخرى 1 ٪ ومعظمهم يؤيدون النظام. أما الأكراد الذين يشكلون 10 ٪ من السكان رغم ان أغلبهم من الإسلام السنة فهم يعرّفون أنفسهم انطلاقاً من هويتهم القومية، ويطغي على هذه المكونات فهم بدائي للهوية السياسية، اذ تعتبر سوريا دولة مصطنعة تم تأسيسها من قبل فرنسا وبريطانيا في نهاية الحرب العالمية الأولى وفقاً لاتفاقية سايكس-بيكو .

لقد أنعشت الحرب العراقية عام 2003 الأحقاد القديمة بين السنة والشيعة، ويعكس العنف الحالي بين السنة والعلويين في سوريا أحد أوجه هذا النزاع، ويشدّد أنصار هذا الاستنتاج والمدافعون عنه مطالبتهم بان اي حل لا بد له ان يتضمن وجود مثل تلك الروابط والعلاقات القديمة المبنية على النماذج الأثنية والتي استطاعت انهاء حروب أخرى حصلت فيها النزاعات الطائفية والاثنية كما جرى في يوغسلافيا وبوسنيا ولبنان والعراق.  ان التفسير الطائفي المتعلق بالوضع السوري مبني على افتراضات زائفة ولا ينطبق على الهوية السياسية في سوريا وهو تفسير يدفع بالمجتمع للسير نحو الخلف اذ ان وجود مثل هذه الكيانات او الهويات الثانوية أو الفرعية في بنية الدولة وما ينجم عنها من اصطفافات سياسية ان دلّ على شيء فهو يدل على قضية مفصلية في تاريخ التطور الاجتماعي والسياسي، انه يبين مدى التدمير الذي لحق بعملية بناء الدول الوطنية الديمقراطية بعد مرحلة الاستقلال السياسي من قبل حركات تتبنى أيديولوجيات قومية لها مشاريع توسعية وهمية جعلها ترفض الاعتراف بالدول الوضعية القائمة بحيث يبني المشروع القومي انجاز كيانه المستقبلي والمتخيل على نفي الدولة الوطنية ذات السيادة، انه مشروع يحقق هدفه التوسعي القومي بإلغاء كيان الدولة الوطني او نفيه لصالح مخطط أيديولوجي يتجاوز الحدود الرسمية للدول القائمة ،  فوجود الدولة يتناقض تماما مع شمولية المشروع القومي والأيديولوجية التي بنى نفسه عليها. ان المشروع القومي الذي يتجاوز الحدود والأطر الرسمية لا يعترف بالدولة بل ينفيها ككيان وطني قائم في نفس الوقت الذي يخفي هدفه الحقيقي وهو قطع الطريق (والحركات السياسية التي كانت تمارس هذا التوجه كانوا فعلاً يسلكون سلوك قطاع الطرق) امام بناء المؤسسات الدستورية للدولة تحت عناوين شعبية براقة تدعو لإقامة كيان يتجاوز اطارها الحدود الراهنة للدول الموجودة، مثل كيان (سوريا الكبرى) و(الهلال الخصيب) و( من المحيط الى الخليج) و (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة)، ويعتبر انجاز  تلك الكيانات بمثابة الانتصار التاريخي (الوهمي والمتخيل طبعاً) للمشروع القومي الخاص بكل حركة منه .

 

يتبع ..

  • Social Links:

Leave a Reply