«البروباجندا» الصينية.. كيف تدير بكين ملف الدعاية خارج حدودها؟

«البروباجندا» الصينية.. كيف تدير بكين ملف الدعاية خارج حدودها؟

ساسة بوست _فريق العمل 

غيرت الصين إستراتيجياتها في التعاطي مع العالم الخارجي منذ عام 2014، ولم تعد تكتفي بالعمل على اختراق المؤسسات الإعلامية في الدول الغربية، بل حولت وجهتها لاستغلال مصادر قوتها الناعمة عبر إنشاء شبكة إعلامية ضخمة أملًا في إحداث تأثير ثقافي وسياسي واقتصادي، إلى جانب تكوين شراكة مع مؤسسات إعلامية قوية في الدول المستهدفة.

وبذلك انضمت الصين إلى دول غربية عدة – في مقدمتها الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا – تملك شبكات إعلامية عملاقة تبث في كل أنحاء العالم بعدة لغات، بهدف كسب العقول والقلوب لسياساتها واكتساب المزيد من النفوذ في العالم.

وخلال الأشهر الماضية كان تفشي فيروس «كورونا» المستجد اختبارًا لقدرات الشبكة الإعلامية الصينية، ومدى نجاحها في صنع محتوى إعلامي يخدم ثلاثة محاور رئيسة هي: «نشر روح التفاؤل»، و«حماية صورة الصين دوليًا»، و«إثارة جدل حول مصدر الفيروس».

في هذا التقرير نستعرض آلية إدارة بكين لملف الدعاية والإعلام خارج الحدود الصينية.

حدد هدفك.. تلميع الصورة واكتساب نفوذ

انطلاقًا من تعريف أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد الأمريكية، جوزيف ناي، للقوة الناعمة بأنها «وسيلة للتأثير وزيادة النفوذ والسعي لإعادة تشكيل وجهات النظر الاجتماعية من سلبية إلى إيجابية»، فإن هدف الصين يتمثل في: تغيير الصورة النمطية لسياستها في العالم، واكتساب المزيد من النفوذ عالميًا.

 

بين إنشاء العديد من المؤسسات الإعلامية التي تخاطب الخارج وتخضع لتحكم مركزي من الداخل، والشراكة مع الصحف الرائدة حول العالم، وضعت بكين خطتها للوصول إلى الرأي العام العالمي. وبصفة عامة يعكس التوجه الصيني الجديد رغبة بكين في تحسين صورة نظامها الاستبدادي، والقمع الممنهج ضد الأقليات، وخاصة الإيغور، ومصادرة الحريات العامة والمدنية، وخاصة حريات التعبير والصحافة.

أدوات القوة الناعمة.. نفوذ إعلامي بدأ من 6 سنوات

بالرغم من أن التوجه الصيني نحو «النفوذ الإعلامي» بدأ منذ ست سنوات فقط، إلا أنها اهتمت بالقوة الناعمة على استحياء في بداية تسعينات القرن الماضي. وفي عهد الرئيس هو جينتاو عام 2007، أدخلت بكين القوة الناعمة في إستراتيجيتها الخارجية. وفي تلك الفترة تحدث جينتاو في أحد الخطابات عن «تجديد شباب الأمة الصينية وإتقان أدوات القوة الناعمة».

ثم جاء الرئيس شي جين بينج، وأعاد تعريف «القوة الناعمة» لجعلها مظلة لمؤسسات إعلامية تحمل وجهة نظر الصين لكل العالم، حين قال في 2014 «علينا زيادة القوة الناعمة لبلدنا وطرح سردية جديدة وإرسال رسائل تواصل أفضل إلى العالم»، أي أن بكين أدركت أنها لن تستطيع استغلال قوتها الناعمة بفعالية بدون توسيع النشاط الإعلامي الرسمي في جميع أنحاء العالم.

وكالة أنباء وقناة تلفزيونية في خدمة أهداف الدولة المسيطرة

بالفعل، نجحت الصين في تغيير تعاطيها مع الإعلام، وحولت وكالة الأنباء الرسمية (شينخوا) إلى ذراع قوية تتولّى مهمة الترويج لأنشطتها ونجاحاتها الاقتصادية والثقافية والسياسية، ونقل مواقف البلاد من الأحداث والتطورات الدولية وسياساتها الداخلية والخارجية، للعالم.

كما ضخت الصين عشرات الملايين من الدولارات في تطوير وتحديث قناة تلفزيون الصين «حكومية»، لتبث بلغات متعددة منها العربية والإنجليزية في كل دول العالم. وبرر الرئيس شي جين بينج ذلك التوسع في عمل القناة بأنه «يرمي لسرد تاريخ الصين بصورة إيجابية، وخدمة الأهداف الأيديولوجية للدولة الشيوعية».

ازدواجية التعامل الإعلامي الصيني

1- الوجه الصارم في الداخل وقمع المواطنين

على مدار عقود، تعاطت بكين مع الصحافة المحلية بصرامة، وأخضعتها لرقابة قوية، واستخدمتها أداة لتعبئة المواطنين لدعم الحزب الشيوعي الحاكم وسياساته. وفي عام 2019 كثفت السلطات الصينية استخدام التكنولوجيا لتقييد الوصول إلى الأخبار والآراء والمعلومات حتى على منصات وسائل الإعلام الاجتماعية المحظورة في الصين مثل «فيسبوك».

وفي ثاني أكبر اقتصاد في العالم تحظر الحكومة الآلاف من مواقع الإنترنت، وتقيد الوصول إلى مواقع هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، وصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية الشهيرة وغيرها.

وفي الأشهر الأخيرة أُجبر عدد من الباحثين والمدافعين عن حقوق الإنسان، في الصين، على حذف  المنشورات في موقع «تويتر»، وفي بعض الحالات أغلقوا حساباتهم بشكل دائم. كما استدعت السلطات العشرات خلال العام الماضي، وطلبت منهم التوقف عن التغريد في الموقع، وإلا واجهوا عقوبة السجن.

وذكر تقرير أصدرته لجنة حماية الصحفيين أن الصين سجنت ما لا يقل عن 48 صحفيا في 2019 لتتجاوز في هذا السجل المظلم كل بلدان العالم الأخرى. كما تحتل الصين المرتبة 176 من بين 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة الذي تصدره منظمة مراسلون بلا حدود الدولية غير الحكومية.

2- الوجه الناعم.. رسائل إيجابية والاستفادة من الانفتاح في الخارج

 

 

في المقابل، تتعاطى الصين بشكل مختلف جذريًا، من خلال مؤسساتها الإعلامية التي تستهدف الخارج، ولا تفوت الفرصة لاستخدامها في تلك البلدان التي تحظى فيها وسائل الإعلام بالحرية والاستقلالية. كما تستثمر الصين مئات الآلاف من الدولارات لنشر مواد دعاية في الصحف الغربية، مثل صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية.

والأكثر من ذلك أن الصين تحاول التأثير على الصحافيين من جميع أنحاء العالم، وتقدّم لهم دعوات رسمية للقيام بجولات استطلاعية في البلاد تدفع تكاليفها بالكامل. وتركز وسائل الإعلام الصينية الموجهة إلى الخارج، على الجمهور الأجنبي في محاولة لتغيير شكل بيئة المعلومات، وصياغة وإرسال رسائل إيجابية عن سياسات النظام الحاكم، مستخدمة في ذلك تدفقات مالية ضخمة لتمويل مواد صحافية مدفوعة الثمن، والتغطيات الإعلامية للأحداث العالمية المتنوعة.

إلى أي مدى نجحت الأذرع الإعلامية في تغيير صورة الصين عالميًا؟

بالفعل نجح النشاط الترويجي للقنوات التلفزيونية الموجّهة للخارج؛ ما ظهر جليًا في تغير اتجاهات الرأي العام في الكثير من الدول ليس في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا، حيث تبث باللغة العربية لفترة 24 ساعة في اليوم، وحسب، إنما أيضًا في دول أوروبا الغربية والشرقية التي أقامت فيها الصين علاقات استثمارية كبيرة.

ويشير استطلاع للرأي أجراه «مركز بيو» الأمريكي للأبحاث عام 2017 إلى أن «مجتمعات الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا، وروسيا، واليابان، والهند، والبيرو، ونيجيريا، وأوروبا الشرقية، وغيرها أخذت تنظر إلى الدور الصيني في بلدانها وسياساتها العالمية عمومًا، بصورة أكثر إيجابية أكثر من قبل، وذلك بفضل النشاط الإعلامي والدعائي للصين».

الأمر لا يتوقف عند ذلك إذ أظهرت دراسة أخرى لمعهد «بيو» نشرت في ديسمبر (كانول الأول) الماضي أن النظرة الإيجابية للرئيس الصيني شي جين بينغ تزايدت حول العالم منذ عام 2014، أي منذ بداية التركيز الصيني على الترويج لسياستها وقادتها عبر الإعلام.

 

تحكم مركزي وفروع متعددة.. العمل تحت مظلة مكتب الإعلام التابع لرئاسة الوزراء

لا تعمل المؤسسات الإعلامية الصينية في مناخ من الفوضى، أو دون مسارات واضحة، بل تخضع لتحكم مركزي، يقوم به مكتب الإعلام التابع لرئاسة الوزراء، الذي يعد المركز الرئيس للسياسة الإعلامية الصينية.

وبصفة عامة يقوم هذا المكتب بإدارة الملف الإعلامي وتنسيق جهود الدعاية المختلفة، ويمتلك عددًا ضخمًا من الموظفين، وميزانية كبيرة، بالإضافة إلى قدر كبير من النفوذ البيروقراطي.

 

ويسعى المكتب إلى كسر احتكار الإعلام الغربي لمصادر المعلومات، ويملك عددا من الأذرع المختلفة، في مقدمتها وكالة أنباء شينخوا، وهي وكالة الأنباء الصينية الرسمية، والتي تعمل على نشر الأخبار محليًا، ودعايا الحزب الشيوعي داخليًا.

وتملك الوكالة عددًا كبيرًا من الصحافيين يصل إلى 3 آلاف موظف، بينهم 400 مراسل في 170 مكتبًا في العشرات من دول العالم. فيما تعزز المنصة وجودها الرقمي عبر العديد من الفيديوهات والتقارير التي تبث يوميًا، بمختلف اللغات، في محاولة واضحة لمنافسة الوكالات الغربية مثل «أسوشيتد برس» و«رويترز».

وبالإضافة للوكالة الرسمية، يدير المكتب الاعلامي قناة «سي جي تي ان» التي تبث الآن بأكثر من ست لغات، وتملك مكاتب في مختلف دول العالم، وخاصة في واشنطن وفي كينيا. وتملك الصين (إذاعة الصين الدولية) أيضًا إذاعة مقرها بكين وتبث برامجها بـ43 لغة يوميًا.

الجيش الصيني، بدوره، لم يقف على الهامش، بل يتبنى إستراتيجية تضع «الحرب الإعلامية» كجزء أساسي من وسائل التأثير على الرأي العام الأجنبي، بالشكل الذي يرغم الحكومات الأجنبية على تطبيق سياسات تتوافق مع مصالح بكين.

 

وفي أبريل (نيسان) 2018، دشنت الصين «China Media Group» التي تضم التلفزيون المركزي الصيني، والإذاعة الوطنية الصينية، وإذاعة الصين الدولية، كذراع إعلامي جديد، ووضعتها تحت إشراف وزارة الخارجية، ولكنها في الواقع تتبع مكتب الإعلام التابع لرئاسة الوزراء.

إمبراطورية الصين الإعلامية في عقر دار العم سام

داخل الولايات المتحدة استثمرت الصين بشكل متزايد في مؤسسات إعلامية تبث بالإنجليزية، وتستعين بصحافيين أمريكيين لإنتاج محتوى صحافي غالبًا ما يكون احترافيًا، طالما لا يمس أمورًا حساسة بالنسبة للصين.

وكشفت دراسة أجرتها مؤسسة «فريدوم هاوس»، وهي مؤسسة بحثية أمريكية، أن الصين تدس الدعايا وسط أخبار عن مشاريع التنمية والثقافة الصينية. ومن بين رسائل الدعاية الصينية خلال الفترة الأخيرة، ربط أقلية الإيغور بالإرهاب، واتهام المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية في هونج كونج بامتلاك أسلحة.

 

ووفق الدراسة ذاتها، فإن مؤسسة «China daily» ضاعفت استثماراتها في الولايات المتحدة من نصف مليون دولار في النصف الأول من 2009، إلى 5 مليون دولار في النصف الثاني من 2019. وأضافت الدراسة أن الاستثمارات الإعلامية الصينية في الدول النامية ارتفعت ارتفاعا مطردًا، ودخلت الصين في شراكات مع وسائل الإعلام المحلية في هذه الدول لإنتاج مواد صحافية بشكل مشترك.

وتبرع الصين في استخدام محطات الإذاعة في إيصال رسالتها الإعلامية. ففي 2015، ذكرت وكالة «رويترز» أن الصين تدير شبكة من 33 محطة إذاعية تبث محتوى صحافي في 14 دولة.

وبعد هذا التاريخ بثلاث سنوات، توسعت الشبكة توسعًا كبيرًا عالميًا، وباتت تدير في الولايات المتحدة فقط 33 إذاعة، وفق ما أعلنه مايك بنس، نائب الرئيس الأمريكي في خطاب مؤخرًا.

محاولات أمريكية لاحتواء التمدّد الإعلامي الصيني

في تقرير رسمي نشر خلال شهر ديسمبر 2017، حذرت إدارة دونالد ترامب من أن منافسي الولايات المتحدة «يستخدمون الدعاية وغيرها من الوسائل بشكل متزايد لمحاولة تشويه الديمقراطية».

وترى الخارجية الأمريكية أن المؤسسات الاعلامية الصينية باتت أدوات بروباجندا بشكل متزايد منذ وصول الرئيس الصيني الحالي للسلطة في 2013. ونقلت صحيفة «الجارديان» البريطانية عن مسؤول أمريكي (لم تسمه) في فبراير (شباط) الماضي قوله «لا يوجد شك أن المؤسسات الإعلامية الصينية جزء من جهاز البروباجندا الرسمي في الصين، وتخضع لأوامر مباشرة من قمة هرم السلطة».

وتابع المسؤول الأمريكي قائلًا: «نعلم منذ وقت طويل أن هذه المؤسسات تخضع لسيطرة الدولة، لكن هذه السيطرة تصبح أقوى بمرور الوقت»

 

توجت هذه التحذيرات في 18 فبراير الماضي بقرار الولايات المتحدة تقييد عمل مؤسسات الإعلام الصينية على أراضيها، في محاولة لمواجهة «لبروباجندا الصينية». وأخبرت السلطات الأمريكية خمس مؤسسات، أبرزها «شينخوا» وشبكة التلفزيون العالمية، بضرورة الحصول على موافقة حكومية قبل شراء أي أصول في الأراضي الأمريكية.

كما طالبت السلطات الأمريكية المؤسسات الصينية الخمسة بتقديم قوائم بموظفيها على الأراضي الأمريكية، بما فيهم المواطنين الأمريكيين، وفق بيان للخارجية الأمريكية.

هكذا تصل الصين إلى قراء أشهر الصحف العالمية

تستند القيادة الصينية لمبدأ شهير في بناء إستراتيجيتها الإعلامية، وهو «استعارة قارب لدخول المحيط»، أي أنها تبرم اتفاقات مع وسائل إعلام محلية في الدول المستهدفة، وخاصة الصحف الورقية، لنشر محتوى وإعلانات، في محاولة للوصول لقارئ هذه الصحف والتأثير عليه.

وفي هذا الإطار، نجحت صحيفة «china Daily» الناطقة بالإنجليزية في إبرام اتفاقات مع 30 صحيفة أجنبية على الأقل، بينها «نيويورك تايمز»، و«وول ستريت جورنال» و«واشنطن بوست» في الولايات المتحدة، و«ديلي تليجراف» في بريطانيا، لنشر ملحق يتكون من أربع أو ثماني صفحات بعنوان «China Watch»، ينشر بشكل شهري.

وتتبع المواد المنشورة في هذا الملحق مدرسة قديمة في البروباجندا، وكثيرًا ما تجد فيه عناوين من قبيل «التبت تشهد 40 عامًا من النجاح الباهر»، و«شي يكشف النقاب عن إجراءات الانفتاح»، و«شي يشيد بأعضاء الحزب الشيوعي في الصين».

وعلى سبيل المثال، تدفع الصين لـ«ديلي تليجراف» 750 ألف جنيه إسترليني سنويًا، لنشر ملحق «China Watch» شهريًا. فيما تحصل «نيويورك تايمز» على 1.7 مليون دولار، و«وول ستريت جورنال» 1.3 مليون دولار، و«لوس أنجلوس تايمز» الأمريكية 1.6 مليون دولار سنويًا من الصين لنشر ملحقاتها الإعلامية.

ولم يمنع التعاون بين الصين و«وول ستريت جورنال» في ملف «China Watch»، بكين من إلغاء اعتماد ثلاثة من صحافيي الصحيفة الأمريكية على أراضيها قبل أيام إثر نشر الأخيرة تقرير عن الصين بعنوان «الرجل المريض الحقيقي في آسيا».

وقالت الخارجية الصينية تعليقًا على هذا التقرير «إن الشعب الصيني لا يرحب بوسائل الإعلام التي تتحدث لغة تمييزية وعنصرية وتشهر بالصين وتهاجمها».

وفي ألمانيا تحصل صحيفة «هاندلسبلات» الاقتصادية على 131 ألف يورو من الصين مقابل نشر «China Watch»، فيما تحصل صحف «لوفيجارو» و«لو سوار» في فرنسا على 323 ألف يورو و90 ألف يورو على الترتيب.

كما تصل الاتفاقات الإعلامية الصينية إلى أستراليا؛ إذ تمنح 104 ألف دولار سنويا لصحيفة «Sydney Morning Herald». كما تنشر صحيفة «El Cornista» في الأرجنتين ملحق الدعايا الصيني مقابل 58 ألف دولار سنويًا.

أزمة «كورونا».. كيف تخرج الصين بأقل الخسائر؟

في أحد مقاطع الفيديو التي نشرتها وكالة أنباء «شينخوا» مؤخرًا ظهر فريق طبي يرتدي ملابس واقية ويفحص مسافرين على باب طائرة قادمة من كوريا الجنوبية، في أحد المطارات الصينية، مع عبارات مكتوبة أسفل الفيديو تفيد بأن 94% من حالات الإصابة بفيروس «كورونا» المسجلة في الصين في أحد الأيام، كانت لمصابين قادمين من دول أخرى.

ذلك المقطع يلخص سياسة الصين في التعاطي مع فيروس كورونا المستجد، خلال الأيام الماضية، وهو التعاطي الذي تُوِّج بإعلان سيطرتها على انتشار الفيروس في الداخل، ورغبتها في الخروج بأقل الخسائر من هذه الأزمة، بعد أن اضطرت آلتها الإعلامية الدولية للقبول بالأمر الواقع في البداية تحت ضغط ظهور الفيروس لأول مرة في مقاطعة وهان الصينية، واتهامات العالم للصين بالمساهمة في انتشاره دوليًا بسبب إنكارها وجوده، وتلكؤها في احتوائه.

وبعد مرحلة ضعف أولى، بدأت الآلة الإعلامية الصينية مؤخرا الترويج للانتصار على المرض، وعودة الحياة لطبيعتها في البلاد، وتصدير دول أخرى الفيروس للصين، واتهام الولايات المتحدة بتخليق الفيروس واستهداف بكين، ومساعدة السلطات الصينية للدول الأخرى، وبينها دول أوروبية، في مواجهة تفشي كورونا، واقتراب الصين من تطوير لقاح له.

كل هذه الرسائل الإعلامية كانت بمثابة «هجمة مرتدة» للحد من الخسائر التي تكبدتها الصين في الأسابيع الأولى لتفشي فيروس «كورونا» المستجد.

ووفق تحليل نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية لمحتوى وسائل الإعلام الصينية، فإن الآلة الإعلامية الصينية أدارت ملف «كورونا» لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسة هي: «نشر روح التفاؤل»، و«حماية صورة الصين دوليًا»، و«خلق جدل حول مصدر الفيروس».

ولتحقيق هذه الأهداف، ركزت وسائل الإعلام الصينية على نشر القصص البطولية. على سبيل المثال، نشرت قناة «سي جي تي إن» فيديو عن رجل قاد 5 آلاف كيلومتر بالسيارة لمدة خمسة أيام لإحضار الدواء إلى التبت، وأعادت بثه أكثر من مرة.

كما نشرت القناة نفسها، وعدد من وسائل الإعلام الصينية الناطقة بالانجليزية، تصريحات طبيب الصدر الصيني تشونغ نانشان، الذي قال: إن «الفيروس ظهر لأول مرة في الصين، ولكنه قد لا يكون من الصين» لخلق حالة من الجدل حول أصل الفيروس.

كما أبرزت وكالة «شينخوا» في إحدى تقاريرها نجاح الصين في احتواء الفيروس، وتقديمها مساعدات لدول عدة، وعنونته بـ«كن صادقًا: العالم مدين بالشكر للصين».

وفي إشارة واضحة على أن السياسة الصينية الجديدة تحقق أهدافها، لم يجد رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز سوى عبارة «أنه بعد العاصفة تأتي أشعة الشمس» في تعبير واضح عن الامتنان للصين. وتعني هذه العبارة أنه «بعد الوباء ينبغي التفكير في تعاون أكثر كثافة»، وفق صحيفة «دي تسايت» الألمانية.

كما نجحت المساعدات الصينية للدول «الأكثر تضررًا من أزمة كورونا» في الترويج لصورة الصين كـ«قوة عظمى مليئة بالإنسانية»، وفق «دي تسايت». ووصل الأمر إلى قول رئيس صربيا، ألكسندر فوسيتش في تصريحات صحافية حديثة: «لا يوجد تضامن أوروبي. إنها قصة خيالية للفقراء. نأمل في الدولة الوحيدة القادرة على التعامل معنا في هذا الوضع الصعب؛ نأمل في مساعدة جمهورية الصين الشعبية».

 

  • Social Links:

Leave a Reply