ما الذي تبقى من نظام آل الأسد؟!

ما الذي تبقى من نظام آل الأسد؟!

مصطفى الدروبي

جاء توريث بشار الأسد للسلطة في سوريا وفق مسرحية منفّرة هي أقرب إلى عملية السطو المسلح منها لأي شيء آخر حيث قام الحرس القديم بعد موت الديكتاتور الأب بتنفيذ السيناريو المعدّ مسبقاً من قبل دهاقنة النظام وسدنته من الأمنيين والعسكريين بحيث يُنقل كامل الإرث والذي كان معداً منذ سنوات سلفت للابن الأكبر والذي قتل عام 1994بحادث سير غامض لفه الكثير من التكهنات فلم يعلن عن حقيقة إحداها لحد الآن كون الصناديق السوداء للأنظمة  الديكتاتورية مغلقة بإحكام و تبقى لأزمان بعيدة سر دفين لا تُفَك طلاسمها إلا بعد زمن طويل حيث الغموض سيد الحقبة بكل ما تحمله من استبداد وفساد وطغيان وتآمر.

وحين أقسم الوريث المتنمّر بأنه سيحترم دستور البلاد وقوانينها وأن يحمي مصالح الشعب وحرياته وأن يحافظ على استقلال الوطن وسيادته…كان يعلم أن لا أحداً يصدق كلمة واحدة مما ورد بهذا القسم على لسانه بما فيهم تلك العصابة من بطانته والشريكة إياه بنهب البلاد وسبي العباد ولم تنطلي على الشعب السوري تلك المسرحية البائسة حينها وكان متيقناً أن الوعود التي رافقت عملية تسويق هذا الشاب ماهي سوى خدعة كبيرة لن يطول أمد زيفها وأن سوريا الحضارة والتاريخ أضحت مزرعة لأسرة أسالت الكثير من دماء السوريين قبل قدوم هذا الدكتاتور الأصغر وأذاقتهم كل صنوف القهر والعذاب وعملت على تحويلها لعزبة وجمهوملكية أبدية!

وحين ذاب الثلج وبان المرج كما يقول المثل السوري كان النظام أمام استحقاقات ملحة وعاجلة فلا تطوير ولا تحديث حدث بل مزيداً من تمركز الثروة بيد حيتان السلطة وأساطينها حيث القطاع الزراعي والذي شكًل أحد المصادر الهامة للدخل القومي في سوريا أخذ بالتراجع الحاد بسب سياسة السوق الاجتماعي الذي سار عليها النظام والتي جاءت نتيجة لتراكم الثروة بيد القلة على حساب مجموع الشعب وتراجع النظام عن دعم هذا القطاع والذي شكًل له حاضنة تاريخية في بداية عهده بالإضافة إلى البطالة الواسعة في أوساط الشباب والذين يمثلون غالبية الكتلة الديمغرافية في سورية وانسداد الآفاق أمامهم في ظل غياب تكافؤ الفرص وانتشار المحسوبية وغياب الحريات والعودة إلى القبضة الأمنية الناعمة والخشنة بآن.

كل هذا وأسباب أخرى كثيرة دفعت الشعب السوري إلى الاحتجاجات والثورة لاحقاً على نظام لم يرى فيه سوى قطيع يساق بعصاه الأمنية المنفلتة من عقالها حيث كان رده على مطالب الشعب المحقة عاصفاً ومزلزلاً عبر خياريه الأمني والعسكري مما ألحق بسوريا الدمار والخراب المهول والقتل والتشريد لأهلها وحين استنزفت قدرات النظام العسكرية والاقتصادية وأضحى قاب قوسين أو أدنى من السقوط استنجد بالقوى الخارجية والتي تحولت اليوم لقوى سطوة واحتلال بنفوذ واسعين والساحة السورية مسرحاً لقوى عالمية شتى حيث فقد النظام كل مقام أو هيبة من لدن القوى الجاثمة على التراب السوري والنافذة بأجهزتها الأمنية والعسكرية حتى بات يزور داعميه خلسة كالمطارد دون أية رمزية سياسية لسوريا وسيادتها واستقلالها حتى ذهب أحد المسؤولين الإيرانيين إلى القول أن سوريا هي المحافظة الخامسة والثلاثين لإيران! وأنها مجالاً حيوياً ومنصة إطلالة لها على المتوسط أما روسيا والتي غيّرت معادلة الصراع بتدخلها في ايلول من عام 2015 مستخدمة كافة أسلحتها والتي عملت على تسويقها لاحقاً بعد أن ارتكبت مجازرها الموصوفة بحق المدنيين مجربة إياها بلحمهم الحي ومروجة لسلع الموت والدمار حيث وبكل صفاقة يعلن بوتين متفاخراً بتزايد مبيعات الأسلحة الروسية في السوق العالمية قائلا:( إن الحملة العسكرية في سوريا أظهرت “موثوقية وكفاءة ملحوظتين لأسلحتنا ).

واليوم نجد النظام السوري مهاناً عارياً من كل كرامة أو سيادة أو مقام حيث يتقصّد داعميه تهميشه وإذلاله خصوصاً المحتل الروسي وإعلامه المحترف تنسيقاً مع أجهزته الاستخبارية الجهنمية والتي اخترقت بنية النظام العسكرية والأمنية وتشتغل بحماسة على بناء نظام موازٍ لنظام الطغمة الأسدية والذي تآكل كثيراً وأضحى رهينة لإملاءات بوتين وشويغو حيث الروس تاريخياً نظروا وعلى الدوام إلى المياه الدافئة في المتوسط كجزء هام من مجالهم الحيوي وهم الذين ربطتهم علاقات واسعة مع حافظ الأسد والذين دعموا عهده على طول الخط بل هم من طالبه بتوريث بشار السلطة كما أدلى بذلك الملحق العسكري الروسي الأسبق في السفارة الروسية في دمشق الفريق فلاديمير فيودوروف عبر برنامج “رحلة في الذاكرة” وهذا ما أكدته التوالي من الأيام حيث يعمل بوتين على جعل سوريا قاعدة جوية وبحرية أبدية لروسيا في المتوسط واستئجار ميناء طرطوس لـ 49 عاماً واعتبارها شيشان ثانية وبمرتبة لبشار الأسد دون مرتبة رمضان قاديروف بل تشير الكثير من التقارير على اقتراب نهاية بشار الأسد بعد أن غرق نظامه بأزمات عميقة بدأت تدفع مواليه للتذمر والهياج والتطاول على مقامه كطاغية معبود مع ابتزاز بوتين ونتنياهو لما تبقى من سلطة لآل الأسد والتي يبدو أنها دخلت في طور الأُفُولْ والزوال أمام مشهد سوري شديد التعقيد ينذر بدفع البلاد نحو التقسيم والفدرلة.

  • Social Links:

Leave a Reply